الديموقراطية ليست حكم الأغلبية
منقذ داغر
قبل يومين أجاب أحد (مروجي) الأسلام السياسي عن سؤال لمقدم أحد البرامج التيلفازية المعروفة عن سبب تمسك الأسلامويين بفرض معادلة سانت ليغو (المشوهة) في قانون الأنتخابات الجديد الذي يراد منه أقصاء القوى المدنية الناشئة قائلاً وبلا مواربة “أننا كمسلمين نمثل الأغلبية ومن حقنا فرض قوانيننا ما دامت الديموقراطية تعني حكم الأغلبية…”. لقد كان جوابه تعبير واضح،ونادراً ما يقال علناً من قبل الأسلامويين، عن أستثمار مفهوم مشوه للديموقراطية لفرض أرادة الجماعة المقدسة (الأسلامويين) على الجماعة المدنسة أي(الأقلية) ممن ليسوا على ملتهم كما يعتقدون. والغريب أنه عدّ من أسماهم بالعلمانيين أو المدنيين ضمن الأقليات من غير المسلمين طبقاً لمنطق معظم الأسلامويين الذين يرتكزون على منطق أبن تيمية والزرقاوي والبغدادي حتى وأن رفضوه ظاهراً.
والواقع أنني لم أسمع مثل هذا الطرح لأول مرة فلطالما سمعت الكثير ممن يعتقدون أن الديموقراطية تعني حكم (بمعنى فرض أرادة) الأغلبية.
وأذا كان هذا السيد (المروج) للأسلام السياسي معذور لكونه ليس متخصصاً بالسياسة فأن من الغريب أن تسمع مثل هذا الخطاب ممن يحسبون على المتخصصين!لنبدأ بمفهوم الديموقراطية الذي يعني حرفياً حكم الشعب،وليس الأغلبية كما يعتقد البعض.
والشعب مفهوم أوسع بكثير من الأغلبية لأنه يعبر عن الأرادة الشاملة أو المطلقة للأمة وليس الأرادة العامة للأمة كما يسميها جان جاك روسو. صحيح أن الأرادة العامة يتم التعبير عنها من خلال صندوق الأنتخابات لكن هذا الصندوق هو واحد فقط من وسائل التعبير عن الأرادة العامة.
وهذاالصندوق ينتج لنا هيأة منتخبة موكلة بالحكم وليس بالتحكم بالشعب ،والفرق واضح بين الأثنين. والحكم هنا يعني (أدارة) الشأن العام وليس السيطرة عليه.
بمعنى أن الفائزين بالأنتخابات سيكونون موكلين ،بشكل منضبط ومسيطر عليه،وليس مطلق لأدارة شؤون الناس وأنفاذ مصالحهم. لذلك فالدول الديموقراطية تصمم نظمها لكي تضمن ما يسمى بالموازنة والمراقبة check and balance لكل سلطات الدولة الثلاث بحيث توجد دائماً سلطتين أخريين يراقبان السلطة الثالثة كي لا تنفرد بفرض أرادتها على كل الشعب تحت ذريعة الفوز بالأنتخاب. ولكي يتم منع دكتاتورية الأغلبية وتسلطها فأن المفهوم الحقيقي والمتفق عليه للديموقراطية أنها :((حكم الأغلبية وحماية الأقلية))، وهذه جملة لا يمكن أجتزاؤها أو أختيار شطر واحد فقط منها.
وحماية (الأقلية) تعني شعورهم التام بأن حقوقهم لن تهضم مهما تفوقت (الأغلبية) في عددها،ومهما صغر حجم (الأقلية) فأصل الديموقراطية كما يقول المفكر جون ستيوارت مل هو أن تضمن “أن تكون الغاية الوحيدة-وليست فقط الرئيسة- لممارسة السلطة أو القوة بشكل صحيح على الآخرين بدون رضاهم هي شعورهم أنها ستمنع وقوع الضرر على الآخرين” .
أي أن القوة أو السلطة التي تمنحني حق أيذاء الآخرين أو سلب حقوقهم الأساسية بحجة تفوقي العددي أو النوعي أو قدرتي على تمرير التشريعات هي سلطة ديكتاتورية وليست ديموقراطية. لذا يتم تضمين النظام السياسي مواثيق وقوانين كالددستور،وقوانين حماية حقوق الأنسان وغيرها من الآليات التي تمنح الحماية للأقلية وتمنع تجبر الأغلبية. كما أن الدساتير تفرض عادة نسب معينة من التصويت (وليس الأغلبية البسيطة فقط) لأجازة تشريعات معينة. هذا كله لضمان المعنى الدقيق،وليس الشائع على ألسن البعض عندنا،عن مفهوم الديموقراطية والذي يعني حكم الشعب وليس حكم الأغلبية.
وعلى الرغم من رفضي التام لمصطلحي (الأغلبية والأقلية) لما يتضمنانه من مصطلحات تفضيلية وتمييزية تصنف أبناء المجتمع الواحد لفئات الأ أني أود التنبيه لمغالطة كبرى يقع فيها الكثيرون عندنا ،بقصد أو دون قصد، وهي أعتقادهم أن الأغلبية في السياسة هي مصطلح ديني أو عرقي أو طائفي،في حين أنها مصطلح سياسي بحت يرتبط بصندوق الأنتخاب تحديداً وليس بأي صفة أجتماعية أو دينية. فالسيد(المروج) أعلاه خلط بين مفهوم المسلمين كأغلبية دينية وبين الأغلبية البرلمانية كمفهوم سياسي ناجم عن صندوق الأنتخاب.
فأذا كان يقصد أن الأسلامويين الذين يروج لهم هم أغلبية دينية فهذه مغالطة كبرى بدليل أن مجموع ما حصلوا عليه في الأنتخابات الأخيرة لم يتعد 1.6 مليون صوت من مجموع حوالي 25 مليون صوت “مسلم” يحق لهم التصويت في العراق! أي أنهم مثلوا 6 بالمئة فقط من المسلمين في العراق.أما أذا كان يقصد أنهم”أي الأسلامويين” يمثلون أغلبية برلمانية،فقد جانب الحق مرة أخرى لأن كل أصواتهم لم تتجاوز نسبة 15 بالمئة من مجموع الأصوات التي حاز عليها كل البرلمانيين،فكيف يكونوا أغلبية؟!
طبعاً لم أرد الدخول في جدلية أن الأطاريين الذين يحكمون الآن كانوا أساساً أقلية برلمانية قبل أنسحاب الصدريين لذا فأن أستخدامهم مصـــطلح الأغلبية شبيه بذاك الذي يركض لوحده ثم يقــــــول فزت بالمركز الأول!