الديمقراطية الإلكترونية والإنتفاضة
الديمقراطية الإلكترونية والإنتفاضة – محمد مظفر الادهمي
يتطلع الشباب العربي اليوم الى التعبير عن آرائهم ومشاكلهم بحرية ودون قيود بعد ان فشل الاعلام التقليدي في الاستجابة لهذه التطلعات الشبابية، ولذلك ظهر في عصرنا الحالي ما يطلق عليه بالاعلام الجديد، والمقصود به اعلام التواصل الاجتماعي الذي يستخدمه الشباب والذي يختلف تماما عن الاعلام التقليدي المقيد مثل التلفزيون والإذاعة المسموعة والصحف .هذا الاعلام الجديد انتج وطور شيئا لم تعرفه الأجيال السابقة وهو (الديمقراطية الالكترونية ) ، ولما كانت احد اهم قيم الديمقراطية هي (حرية التعبير) فان الاعلام الجديد يمثل التعبير عن الرأي دون قيود حكومية او سلطوية ، فاصبح التدفق الاخباري الهائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون قيود هو المسيطر لدرجة ان التلفزيون بدأ يعتمد على هذه الوسائل في بعض اخباره وتقاريره، ولم يعد بإمكان الاعلام التقليدي مجاراة هذا الاعلام الجديد الذي اوجد لغة مشتركة للشباب، واتاح لهم حرية الحوار والتعبير عن الراي والتنسيق لتحقيق امالهم وطموحاتهم بعيدا عن قيود الاعلام التقليدي.ومع ان مصداقية الاعلام التقليدي تبدو في بعض الأحيان اقوى من مصداقية مواقع التواصل الاجتماعي التي تظهر فيها اخبارا كاذبة ومعلومات زائفة هنا وهناك،. ولكن الاعلام الجديد يكون اكثر مصداقية في الازمات ،وعلى سبيل المثال لا الحصر فان انتفاضة تشرين الشبابية في العراق قد هيء لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمصداقية عالية أدت الى تفجيرها منذ الأول من أكتوبر/تشرين 2019. وقد أثبتت تصريحات الشباب واحاديثهم وتصرفاتهم في ساحة التحرير ببغداد والساحات الأخرى في المحافظات الوسطى والجنوبية انهم ممتلئين بالمعلومات والأفكار المبهرة التي صنعها لهم الاعلام الجديد وحرية التعبير التي اوجدتها (الديمقراطية الالكترونية) بعيدا عن وسائل الاعلام التقليدي المقيد للفكر والموجه باتجاه واحد .فقد راينا شبابا لم يكملوا تعليمهم الجامعي يتحدثون بلغة السياسيين الكبار ، يطرحون أفكارهم واراءهم بثقة عالية وتحليل منطقي مقبول ومقنع يؤكد ان أسلوب التجهيل الذي مورس ضدهم منذ احتلال العراق عام 2003 وخلال 16 عاما لم يكن له تأثيره بفضل الديمقراطية الالكترونية التي توفر لهم المعلومة والخبر وتبادل الأفكار والآراء بحرية مطلقة . بمعنى آخر ان انتفاضة الشباب في العراق عبرت عن نفسها عبر (الاعلام الجديد) بكل حرية ومصداقية، في حين كان الاعلام التقليدي المملوك لقوى السلطة غير مؤثر وغير مقبول وغير مقنع مهما حاول تبرير مواقفه بحيث ان هذه القوى التجأت في النهاية الى استخدام القوة المفرطة فقتل منهم حوالي 700 شابا وجرح حوالي 25 الف من المتظاهرين،ومع ذلك قابل الشباب المنتفض الرصاص القاتل برصاص الديمقراطية الالكترونية.اذن فان جيل الشباب سيتمتع بالديمقراطية وحرية التعبير بامتلاكه ما يمكن ان نسميه(سلطة التكنلوجيا) التي ستحكم العالم تدريجيا ، ولن تستطيع قوى الاعلام التقليدي الاستمرار مهما قاومت ، حتى وان لجأت الى محاولة القتل والاغتيال وتكميم الافواه وحجب مواقع التواصل الاجتماعي و تشريع القوانين المجحفة مثل قانون الجريمة الالكترونية . وفي تقديري فان (سلطة التكنلوجيا) (والديمقراطية الالكترونية) هي التي ستسود في القرن الواحد والعشرين مما سيؤدي الى انهيار وسقوط سلطة الاعلام التقليدي ، وسيكون التجديد هو الطريق الذي ستسلكه الأجيال الشبابية المعاصرة وفي مقدمتهم الشباب العربي لصنع مستقبلهم بعيدا عن طريق الاعلام التقليدي .