الدولة الحضارية الحديثة بين الإسلامية والعلمانية
محمد عبد الجبار الشبوط
كثيرا ما يطرح عليّ المتابعون لفكرة الدولة الحضارية الحديثة السؤال التالي: هل ان هذه الدولة علمانية ام اسلامية؟ومنشأ هذا السؤال التصور المسبق عن ثنائية الاسلام (او الدين) والعلمانية، وهي واحدة من الثنائيات المستقطبة في العقل السياسي العراقي مثل اليمين واليسار، الرجعي والتقدمي، وغيرها. وجوهر هذه الثنائية التصور بأن الانسان مخير بين امرين لا ثالث لهما. وهذا تصور يفوّت على العقل فرصة التفكير بخيارات واحتمالات اخرى اكثر من احتمالين او خيارين.وجوابي عن هذا السؤال هو: يمكن ان تكون الدولة الحضارية الحديثة اسلامية، ويمكن ان تكون علمانية، ويمكن ان تكون اي وصف ثالث، مادامت محققة لشروط ومعايير “الحضارية” و”الحداثة”.فاما صفة الحضارية فهي منبثقة من منظومة القيم الحضارية العليا الحافة بالمركب الحضاري وعناصره الخمسة، اي الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، والمحققة لاعلى درجة ممكنة من انتاجية المجتمع وعدالة التوزيع.ومن الممكن ان يزعم الاسلام انه يقدم افضل منظومة قيمية لبناء الدولة الحضارية.كما يمكن ان تزعم العلمانية انها تقدم افضل منظومة قيمية لبناء الدولة الحضارية.ويمكن لاي اتجاه فكري او سياسي اخر ان يزعم انه يقدم افضل منظومة قيمية لبناء الدولة الحضارية.ويتعين على كل واحد من هذه الاتجاهات ان يقنع اغلبية الناس بصحة وصدقية دعواه.واما الحداثة فهي وصف للدولة التي تعتمد المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم والفصل بين السلطات وغير ذلك من سمات الدولة المتشكلة في العصر الراهن.وهنا يمكن للاسلام او العلمانية او اي اتجاه اخر ان يزعم ان قادر على اقامة دولة بهذه المواصفات.ويتعين على كل واحد منهم ان يقنع اغلبية الناس بصدقية دعواه.لان الامر يؤول الى اغلبية الناس في تفضيل اي من الخيارات المطروحة والمتنافسة في الساحة الاجتماعية والسياسية، لان ايا من هذه الاطروحات لا تملك الوصاية على الناس، اذْ الناس اولياء على انفسهم، وهم الذين يحق لهم وحدهم الاختيار. ويمكن تحديد خيارات الناس عن طريق الاستفتاء او الانتخابات الدورية. ولكل الحق في ان يدعو الى النموذج الذي يؤمن به شرط ان يكون حضاريا وحديثا لاننا بهذين الوصفين نضمن سعادة الانسان في بلده.ويمكن لاصحاب كل اتجاه ان يشكلوا جماعة سياسية (حزبا) يمثل اتجاههم ويتحرك لكسب جمهور الناس والناخبين الى جانبه. ويمكننا ان نتصور قيام حزبين او اكثر ( ثلاثة او اربعة او حتى اكثر) ولكن ليس 250 حزبا مثلا لان الحياة والعلوم السياسية لا تقدم لنا خيارات وانظمة سياسية بهذا العدد المفرط بالكثرة. هذا شرط اول، والشرط الثاني ان توجد بين هذه الاحزاب حالة تنافسية للفوز بثقة الجمهور وليس علاقة خصومة للقضاء على الطرف الاخر. والحالة التنافسية تعني الاعتراف المتبادل بحق الوجود والعمل السياسي. وهذا هو شرط الحياة الديمقراطية السليمة. وهذا ما لا نجده في الدولة العراقية الموصوفة تجاوزا بالديمقراطية.