الخضراء تغلي.. معركة “كسر عظام” بين الحكومة والحشد الشعبي
ساعات ساخنة عاشها العراق، تداخلت فيها الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، مع الحشد الشعبي، في تحدٍ كاد أن يصل إلى مرحلة “كسر العظام” ولوي الأذرع، لولا اتفاق سياسي – أمني، أفضى إلى اطلاق سراح القيادي في الحشد الشعبي قاسم كريم محمود مصلح، وتسليمه إلى قيادة العمليات المشتركة إلى حين انتهاء التحقيق.
قاسم كريم محمود مصلح، هو قائد سابق للواء “علي الأكبر”، التابع لحشد العتبات الذي تديره مرجعية النجف مباشرة، وقبلها كان قائداً لقوات “حفظ النظام” التابعة للعتبة الحسينية في كربلاء، وهو من أهالي كربلاء، وسكنت عائلته المحافظة منذ عشرات الأعوام. مصلح يواجه اتهامات عديدة أسباب عديدة جاءت وراء اعتقال مصلح، منها ضلوعه في عدة هجمات على قوات التحالف الدولي، ومنها هجمات في الآونة الأخيرة على قاعدة عين الأسد الجوية في محافظة الأنبار، غربي العراق، ومنها ما قيل أن إيقاف مصلح جاء بتهمة اغتيال ناشطين لاسيما في مدينة كربلاء، في حين ذهب البعض إلى أن سبب اعتقال مصلح هو تُهَم تتعلق بالفساد المالي.
وتكاد تكون هذه المرة، هي الأولى التي يُعلن فيها عن اعتقال مسؤول بهذا المستوى في هيئة الحشد الشعبي، الذي يضم العديد من الفصائل المسلحة، والتي ربما اغلبها ليست على وفاق مع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بل أن البعض منها يتهمه علانية بالوقوف ضد الحشد الشعبي ومشاركته في اغتيال قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، منها كتائب حزب الله.
فصائل الحشد ترد بسرعة وفور اعتقال مصلح، قامت العديد من فصائل الحشد الشعبي بارسال قواتها العسكرية في بغداد الى المنطقة الخضراء، بل ووصلت الى مبنى رئاسة الوزراء، وقامت بتطويق المنطقة الخضراء ومنعت وصول اي قوة اليها، كما قامت فصائل من الحشد الشعبي في البصرة باستعراض قوتها في شوارع المدينة، في مؤشر قوي على سطوتها على الوضع الأمني والسياسي في العراق، بينما أعلنت قيادة عمليات بغداد منع دخول الأرتال المسلحة من الجيش والشرطة والحشد الشعبي وأي أرتال أخرى التي تزيد عن عجلتين عبر السيطرات الخارجية، ومنع حركة الأرتال المسلحة داخل مدينة بغداد، الا بموافقة مقر القيادة.
فصائل بارزة في الحشد الشعبي، توعدت بلهجة شديدة، وكيل شؤون الاستخبارات في وزارة الداخلية، الفريق أحمد أبو رغيف، متهمة اياه بأنه ينفذ أجندات الولايات المتحدة الأميركية في البلاد، من خلال معاداة الحشد الشعبي، وآخرها اعتقال قاسم مصلح.
خلية الإعلام الامني، بررت تفاصيل اعتقال المتهم قاسم محمود كريم مصلح، بالقول إنه “بناء على مذكرة قبض وتحري قضائية صادرة بتاريخ 21/5/2021 وفق المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب، نفذت قوة امنية فجر يوم 26/5/2021 عملية القاء القبض على المتهم قاسم محمود كريم مصلح وجاري التحقيق معه من قبل لجنة تحقيقية مشتركة في التهم الجنائية المنسوبة اليه وفق السياقات القانونية”. الفياض والعامري يتدخلان لحل الأزمة ولم تتأخر مدة الاعتقال أو الاحتجاز، وإن اختلفت المسميات، إلا ان النتيجة واحدة، وهي المتوقعة في ظل المعطيات السياسية والأمنية على الأرض، والتي تتمثل باطلاق سراح المتهم قاسم مصلح، تحت يافطة “تسليمه لأمن الحشد الشعبي لاكمال الاجراءات القضائية معه”، في وقت تواجد في عملية اطلاق سراحه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، وزعيم ائتلاف الفتح هادي العامري، وفقاً لمصادر مطلعة، وهو مؤشر على تدخل من أعلى مستويات الحشد الشعبي لانهاء الأزمة، ونزع أي فتيل قد يفضي إلى ما لا يحمد عقباه، لاسيما من الناحية الأمنية ودخول البلاد الى مرحلة معقدة من الصراع بين قوى “اللادولة” ضد الدولة، في ظل غليان الشارع العراقي من الاحداث الاخيرة ولاسيما عمليات اغتيال وقمع المتظاهرين
ردود أفعال دولية مؤيدة للحكومة العراقية
ردود الافعال الأممية والدولية جاءت مساندة للحكومة في فرض القانون، حيث علّقت ممثلة الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة في العراق، جينين بلاسخارت، حول اعتقال القيادي في هيئة الحشد الشعبي، قاسم مصلح، بالقول إنه “يجب أن تأخذ أي قضية اعتقال مجراها، كما تجري مع أي مواطن عراقي”، مردفة أنه “بالتأكيد، لا ينبغي لأحد أن يلجأ إلى استعراض القوة ليشق طريقه، وهكذا سلوك يضعف الدولة العراقية”، في وقت أكدت أنه “يجب احترام مؤسسات الدولة في كل وقت، ولا أحد يعلو على القانون”.
بدوره، أكد السفير الكندي لدى العراق، أولريك شانون، في تغريدة على موقع تويتر، أنه “لا يمكن احترام الحقوق الأساسية للمواطن، ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الناشطين وسط انتشار جماعات مسلحة تعتبر نفسها فوق القانون”، مشيراً إلى أن “استعراض الأسلحة ضد مؤسسات عامة هو تهديد واضح لهيبة الدولة، ويجب السماح للقضاء العراقي بالعمل دون التهديد بالعنف، وتطبيق القانون على الجميع”.
أما السفارة البريطانية لدى بغداد، فقالت في بيان إن “العراقيين طالبوا ويستحقون دولة يحاسب فيها من يخالف القانون، لا ينبغي لأحد استخدام القوة والتهديد لعرقلة التحقيقات الجنائية”، مضيفة: “تقوم الديمقراطية على إحترام سيادة القانون”، ومعربة عن تأييدها “بالكامل تحقيق الحكومة في أعمال الجماعات المسلحة”.
الكاظمي: مصلح بعهدة قيادة العمليات المشتركة في حين أصدر القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي، بياناً بشأن الأحداث قال فيه إن “قوة أمنية عراقية، مختصة بامر القائد العام للقوات المسلحة، نفذت مذكرة قبض قضائية بحق احد المتهمين وفق المادة 4 ارهاب وبناء على شكاوى بحقه، وشكلت لجنة تحقيقية تتكون من قيادة العمليات المشتركة واستخبارات الداخلية والاستخبارات العسكرية والامن الوطني وامن الحشد الشعبي للتحقيق في الاتهامات المنسوبة اليه”، موضحاً أنه “الآن بعهدة قيادة العمليات المشتركة الى حين انتهاء التحقيق”.
الكاظمي، وصف المظاهر المسلحة التي حدثت من قبل مجموعات مسلحة بأنها “انتهاك خطير للدستور العراقي والقوانين النافذة، ووجهنا بالتحقيق الفوري في هذه التحركات حسب القانون”، مردفاً أن “حماية أمن الوطن وعدم تعريض أمن شعبنا الى المغامرات في هذه المرحلة التاريخية مسؤولية ملقاة على عاتق الحكومة والقوى الامنية والعسكرية والقوى والاحزاب والتيارات السياسية، ولذلك ندعو الجميع الى تغليب مصلحة الوطن”.
مواقف شيعية متضاربة
في حين أصدرت جهات شيعية تعليقات متضاربة حول الحدث، بعضها هاجم اعتقال مصلح، والبعض الآخر دعا لعدم إضعاف البلاد، حيث قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تدوينة إن “اضعاف العراق ممنوع وحرام اكيداً، فلا تتكالبوا عليه”، مضيفاً: “انصروا وطنكم ولا تخذلوه، أنا سلم لمن سالم العراق”.
فيما هاجم زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، اعتقال قائد عمليات الحشد الشعبي في الأنبار قاسم مصلح، وقال له إن “اعتقال قيادي مهم في الحشد الشعبي بعملية خارج السياقات القانونية والعسكرية وبهذه الطريقة لا تعدوا كونها عملية خلط اوراق ومحاولة خبيثة لارباك الوضع الامني وايجاد الفوضى للدفع باتجاه الغاء الانتخابات وتشكيل حكومة طوارئ وتعطيل الدستور، يجب الوقوف بقوة أمام هذه المحاولات ويجب اعادة تطبيق السياسات القانونية الصحيحة بتسليم المعتقل الى أمن الحشد الشعبي وبشكل قانوني”.
في حين شدد زعيم تحالف “عراقيون” عمار الحكيم، في تدوينة على ان “كل العراقيين سواء في معيار المساءلة القانونية، ويجب إحترام قرارات مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية التي ينبغي أن تسري قراراتها على الجميع بلا استثناء ليأخذ كل ذي حق حقه”، عاداً “التفريط بهيبة الدولة يعرض حاضر البلاد ومستقبلها الى الخطر فضلاً عن إضعافها وتشويه صورتها أمام الرأي العام العالمي”.
النائب عدنان الزرفي نشر تغريدة مقتضبة حول الحدث، قال فيها: “حذرنا مراراً فلم تسمعوا، أطلتم حيرة الناس، آن الأوان لكي تعوا”.
لكن التساؤلات التي ستكون الأكثر طرحاً في قادم الأيام، هي: ما مصير التحقيق مع مصلح، الذي هو الآن بعهدة قيادة العمليات المشتركة؟ وكيف سيواجه التهم المنسوبة إليه؟ وكيف سيكون رد فعل الفصائل المسلحة التابعة للحشد الشعبي في حال تمت ادانته؟ وما هو موقف الحكومة في حال أفرج عن مصلح، وأين الوعود التي أطلقتها الحكومة في الكشف عن قتلة المتظاهرين، والتي يعد مصلح أحد المتهمين بهذا الملف، وفقاً لتأكيدات عديدة، لاسيما من ذوي الضحايا، وآخرهم عائلة ايهاب الوزني؟
المصدر: رووداو