الحصار الذاتي
علاء الحطاب
الكثير من الامم صنعت نجاحات كبيرة لبلدانها من “الازمات” التي مرت بها اذ لم تتجاوز هذه الدول ازماتها فحسب بل حولت تلك الازمات والمصاعب والتحديات الى قصص نجاح كبيرة كانت ولا تزال محل بحث ودراسة من قبل دول اخرى وليس بعيدا علينا النموذج الياباني او الصيني او الكوري الجنوبي وسنغافورة وماليزيا وغيرها، اذ مرت هذه الدول بأزمات الفقر والجوع والفساد وسوء الصحة والتعليم، لكنها استطاعت ان تحول تلك المآسي الى نجاحات كبيرة ابهرت العالم. لاشك ان احدى اكبر مشكلاتنا في العراق اننا بلد مستورد لكل شيء حتى الماء الذي نشربه، فعبارة “صُنِعَ في العراق” اصبحت نادرة واختفت اغلب الصناعات العراقية الخفيفة والمتوسطة فضلا عن الثقيلة، نعم هناك تجارب صناعية حالية محل فخر، لكنها تبقى تجارب بسيطة لا تُسمن من جوع ولا تغني عن فقر، فمن منا عندما يسافر خارج العراق لأي بلد يشاهد منتجاً كُتبَ عليه صنع في العراق؟ بل انها نادرة الوجود حتى داخل العراق، فهل يعقل ان اغلب ما نأكله ونلبسه ونشربه ونحيا به يأتينا مستوردا من الخارج وعجزت صناعتنا المحلية عن انتاجه؟ هل نحتاج الى عقول جبارة وامكانات عملاقة حتى نصنع الحليب ومشتقاته – انموذجا -.بات واضحا ان الصناعة في العراق تعرضت ولا تزال الى مؤامرة كبيرة تقوم بها اطراف كثيرة خارجية وداخلية لا تريد لهذه الصناعة ان تعود كي تبقى هذه الاطراف والدول هي المستفيدة ونبقى نحن مجرد بلد مستهلك، والدول كثيرة الاستهلاك هي دول غير حضارية وامم غير حية كما يُعرف في مؤشرات التنمية. ما نحتاجه لاعادة صناعتنا هو ارادة سياسية… نعم ارادة سياسية قبل كل شيء لنمارس على انفسنا وبلدنا الحصار الذاتي والطوعي الذي يتم من خلال رسم سياسات عامة مدروسة بشكل دقيق وتدريجي يقضي بأن تتخذ الدولة جملة قرارات جريئة تتمثل بمنع دخول المواد التي يمكن صناعتها في العراق لاسيما الصناعات الخفيفة والغذائية والمتوسطة وبشكل تدريجي يضمن عدم حدوث ازمة اقتصادية تثقل كاهل المواطن، وقيل سابقا ان الحاجة ام الاختراع، فكلما قلَّ المعروض من الحاجيات مع ثبات نسبة الطلب عليه الامر الذي سيدفع باتجاه منافسة تجارية لرجال الاعمال والمستثمرين والصناعيين لانشاء مصانع وانتاج ما تحتاجه السوق من تلك الحاجيات، هذا الامر سيؤدي بالنتيجة الى شيوع المنتج الوطني المحلي ووفرته على حساب المنتج الاجنبي وما سيوفره ذلك من فرص عمل كثيرة ويحرك السوق ويسهم في تنمية اقتصادية كبيرة تشجع على الاستقرار الاجتماعي. الخطوة تبدأ بفرض حصار ذاتي مدروس بطريقة حكيمة تمكن الصناعي العراقي من اعادة انتاج نفسه وتوفير المقدمات له وضبط حركة السوق من استثمار ذلك الحصار لجشع التجار او تسلطهم على قوت الناس، لاسيما ان بدايات ذلك ستكون صعبة بشد الاحزمة على البطون، لكن اذا اردنا ان نحيا حياة كريمة وننهض ببلدنا فلابد لنا من ان نأكل ونشرب ونلبس مما صنعته ايدينا.