الجيش والواز والجسكارا والكروش
د. فاتح عبدالسلام
سيارة من نوع “واز” روسية الصنع، شاع استعمالها لدى الجيش العراقي منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، ووردت في عقود عسكرية مع الاتحاد السوفييتي السابق الى العراق بأكثر من موديل لكنها جميعها متشابهة من حيث تركيبها الأساس، إذ لا تحتوي على أي وسيلة للرفاهية، فليس فيها تبريد أو مقاعد وثيرة أو وسائل أخرى كما لم تكن مصفحة، وكانت مخصصة للآمرين والقادة في وحداتهم داخل الجبهة وفي المعسكرات، وكانت أيضاً تنقل القادة الى منازلهم في الاجازات. وكان بعض الضباط قد استخدمها في مهمات قتالية عند الاضطرار في جبهات الحرب، هذه الصورة الغالبة، لكن لا يمكن ان ننفي وجود سيارات يابانية مبردة يستخدمها القادة في الزيارات البعيدة للوحدات وكذلك سيارات أعضاء المكتب العسكري وقيادات الفروع، لكنها جميعا كانت بسعر ال “واز” الروسي عندما يحمى الوطيس. لو كانت سيارة “واز” ذات رفاهية، لعاش الآمرون والقادة حياة منفصلة عن جنودهم في الأجواء العراقية القاسية، لكن هذه السيارة لم يعد لها وجود، واندثرت وأصبح بديلها الجسكارات والهمرات والسيارات ذات التصفيح العالي والتبريد المنعش والفخامة العظيمة. من خلال هذا التفصيل، الذي قد يكون صغيراً في نظر بعضهم، يمكن النظر الى علاقة الآمرين مع وحداتهم والوظائف التفتيشية التي ينبغي الاضطلاع بها، لاسيما على خطوط التماس ذات المواجهات المحتملة. هناك مراجعات أساسية ينبغي ان تجرى للحفاظ على لياقة القوات المسلحة بوصفها قوات قتالية لديها مهمات موحدة، لا فرق بين قيادات وجنود الا من خلال واجبات وخطط واشتراطات الانضباط العسكري في التسلسلات. السيارات التعبوية الخشنة غابت، والكروش عادت تتقدم الضباط الكبار، وحياة العيش المرفه في المكاتب الخلفية باتت هي السائدة، وهذه عوامل يجب التوقف عندها عند معالجة خلل معين، فلا يكفي تبديل القيادات العسكرية بعد كل أزمة، لأنّ السياقات متوارثة وسائرة باتجاه ترهل لا يمكن نكرانه.