الجيش والمليشيات
فاتح عبدالسلام
أي بلد في العالم ، فيه مراكز عسكرية متعددة النفوذ، سيكون مصيره مثل السودان عاجلاً أو آجلاً. ما يكون من توافق بين الجيش والقوات العسكرية غير النظامية قد ينقلب تحت تأثيرات محلية أو خارجية الى صراع دموي، لا سيما حينما تختلف حسابات الحقل عن حسابات البيدر
. كان هناك مسار واحد ظاهرياً بين البرهان وحميدتي بعد الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمرحسن البشير، من أجل بلوغ المرحلة الانتقالية التي يطالب بها الثوارالمدنيون، غير انَّ كل التفاصيل الكثيرة التي وردت في سياق الملف السوداني منذ اطاحة البشير إنّما هي عملية كسب وقت من جانب العسكر التقليديين في مؤسسات الجيش السوداني ومن قبل قوات التدخل السريع التي شكلها البشير في أواخر أيام عهده للسيطرة على الوضع القبلي في دارفور ومتهمة لارتكاب جرائم حرب، وتحولت الى أداة سياسية وعسكرية مع مرور الوقت .المشكلة التي تواجهها الدولة السودانية هي انّ قوات التدخل السريع من الممكن أن تمول نفسها ذاتياً عبر أذرعها الاقتصادية التي ورثتها من أيام حماية طرق التجارة ومناجم الذهب، وانَّ قطع التمويل الحكومي عنها لن يغير من موازين القوى الان. ويبدو انّ القوى المليشياوية دائماً تتحسب لهذه الظروف وتتحول الى دولة داخل الدولة من خلال المكاسب والايرادات المالية التي تستغلها لصالحها تحت جنح الدولة قبل أن تنقلب عليها. من الصعب إيجاد حل نهائي في السودان إلا بدمج قوات التدخل السريع في الجيش الوطني للبلاد، وتحديد الصلاحيات الدستورية لكل التشكيلات العسكرية.
لكن هذا الحل امام الكثير من الوقت والجهد والسياقات التي لم يعتدها مناخ الانقلابات العسكرية في خلال تاريخ السودان الحديث، لذلك ، تبدو الأوضاع تتجه الى استنساخ الحالة الليبية، لاسيما انّ الطرفين مدعومان من الخارج ، فالتدخل السريع قوات بنت علاقات خارجية كثيرة، وهناك مَن يستغل حاجتها للتمرد والنفوذ لينفذ من خلالها الى عمق السودان ويلعب بملفاته الاستراتيجية .مهما، تعددت التحليلات والتصريحات، فأنّ مصر هي الدولة العربية الوحيدة المعنية بحسم الوضع في السودان لصالح استقرار الدولة قبل ان ينفرط عقد كل شيء مع كل يوم من ايام القتال وتكون مصر أول الخاسرين .