الجامعات الأهلية في العراق .. حل أم أزمة
شهد العراق بعد العام 2003 انفتاحا كبيرا في كافة الأصعدة والمجالات, ومنها مجال التعليم, حيث تم تأسيس العديد من الجامعات الأهلية وبشكل غير مسبوق, بهدف احتواء الزخم الهائل من أعداد الطلبة الخريجين سنويا, غير أنه رافق ظهورها بروز العديد من الآراء ووجهات النظر حول طبيعة أدائها العلمي والأكاديمي .
ولغرض تسليط الضوء على هذه الموضوع الحيوي, يأتي تحقيقنا هذا حيث يدور حول السؤال الآتي : التعليم الأهلي حل أم أزمة ؟
تجارة رابحة
يوضح الدكتور(رياض العتابي), بان التعليم الأهلي من وجهة نظري يكون أزمة كبيرة, إذا لم تستخدم فيه المعايير الصحيحة للقبول ورصانة المادة العلمية, والعكس صحيح, مشيرا إلى أن التعليم الأهلي أصبح عبارة عن تجارة رابحة على حساب المادة التعليمية والطالب, بحيث وصلوا بالتعليم إلى مرحلة متدنية من المستوى العلمي, إذ إن واغلب الكليات الأهلية تبحث عن الكمي وليس النوعي فالمهم هو الربح وليس تعليم الطالب حسب المعايير الدولية .
طموح دراسي
ومن جانبها تقول الأستاذة ( ميسم ) بان الجامعات الأهلية قدمت حلا كبيرا, لان اغلب الطلاب لديهم طموح للدراسة في الجامعة, لكن معدلات الجامعات الحكومية تكون عائق أمام قبولهم وتحقيق حلمهم الدراسي, لذلك فالجامعات الأهلية ساعدتهم باختيار ما يطمحون بدراسته عبر اعتماد سياسة قبول تراعي فيها معدل الطالب الطامح لإكمال دراسته .
مكانة اجتماعية
ويشير الدكتور (رسول العامر)، تدريسي في جامعة بغداد, بأن بروز الكليات الأهلية بعد العام 2003 كان له دور رئيس في تزايد الحركة العلمية، فضلاً عن تقليل اكتظاظ الطلاب في الجامعات الحكومية، عبر تقديم فرص الدراسة لأصحاب المعدلات المنخفضة، لكنها ما لبثت أن تغير مسارها، لتتماشى عكسيا مع هدفها المنشود، وهو نشر العلم والمعرفة، باحثة عن تحقيق الهدف الربحي، وإن كان ذلك على حساب نوعية التعليم المقدمة وجودته, مضيفا بأن لذلك آثار خطيرة، كتدني المستوى العلمي للخريجين، مما أفرز العديد من المظاهر الجانبية الخطيرة، من قبيل غياب الكفاءة التخصصية، وبالتالي إخفاق هؤلاء الخريجين في سوق العمل، مما أنتج تراتبية طبقية، حيث صار المسؤولون وأبناؤهم، فضلا عن التجار وأصحاب الثراء الفاحش يحرصون على التسجيل في هذه الكليات الأهلية، لتحقيق نوع من المكانة (البرستيج) داخل المجتمع، طالما أصبح النجاح مضمونا.
الحلقة الأضعف
ويذهب أحد التدريسيين بالقول إلى إن الجامعات الأهلية في العراق تختلف جذريا عن الجامعات الاهلية في العالم المتطور, كونها عندنا تمثل الحلقة الاضعف في التعليم العالي, على عكس ما هو معروف عنها في العالم, ففي الولايات المتحدة تتميز الجامعات الاهلية بصفوف ذات أعداد قليلة من الطلبة، ونشاطات متنوعة لتنمية قابليات الطالب المهنية والاجتماعية، واحتمالات اعلى لحصول المتخرج على فرصة عمل أفضل, مشيرا إلى أن اكبر مميزات الجامعات الاهلية هو صعوبة الحصول على قبول فيها، فجامعة هارفارد التي تعتبر من اعرق الجامعات في امريكا لا تقبل اكثر من 1650 طالب سنويا, وبذلك فهي لا تقبل الا جزء قليل جدا من الطلبة المتقدمين لها, فالجامعات الأهلية الأمريكية تحتضن افضل الطلاب بينما تحتضن الكليات الاهلية العراقية (مع بعض الاستثناءات القليلة) اسوأ الطلاب من ناحية التحصيل المدرسي، أي الذين لا تؤهلهم معدلاتهم للقبول في الكليات الرسمية (الحكومية).
ربح سريع
ويذكر السيد (م. ك ) بأن الربح الفاحش والسريع أصبح هو الدافع الأساسي لإنشاء الكليات الخاصة, حيث وجدت في الوقت الحالي بان اصحاب معارض سيارات واصحاب مهن حرة باتوا يفكرون بجدية لفتح كليات عن طريق استقطاب اساتذة متقاعدين مقابل مبالغ بسيطة, وذلك فقط لأنهم وجدوا ان الجامعات الأهلية تحقق أرباح عالية بدون رقابة علمية, فأصبحت حاجة ربحية وليس علمية ولا يهمهم ماذا يعمل الطالب بعد التخرج .
تجاوزات متعددة
ويرى أحد الأكاديميين في الجامعات الأهلية, بأن قبول بعض الطلبة في الدراسة المسائية من موظفي الدولة وغالبيتهم من الضباط والاداريين في دوائر الدولة وبعضهم يملك نفوذ يفرضه على اساتذة الجامعة لغرض مساعدتهم في التغاضي عن الغيابات الطويلة والمتكررة, وبالتالي التغاضي عن عدم حضورهم الامتحانات واعطائهم درجات في نهاية الفصل من غير جهد او عناء، والبعض منها يعود الى الفائدة المتبادلة بين الطرفين، اي على سبيل المثال ضابط في المرور يصدر اجازة سوق لاحد الاساتذة مقابل تمشية أموره بالدرجات, مضيفا بأن إحدى اسباب فشل بعض الجامعات الاهلية هو كثرة التجاوزات اللا أخلاقية للطلبة على أساتذتهم، لان شعار الادارة هو خسارة استاذ هي افضل من خسارة طالب.
جشع مادي
وتذكر الطالبة (زهراء خماس) إحدى طالبات الكليات الأهلية, أنها تعاني من حالة الجشع المادي الذي لدى الكلية, حيث انهم ابلغوهم أن يتم دفع القسط على أربع دفعات, ولكن عند المباشرة يفاجئ الطالب بدفع القسط كل شهرين, ومن ناحية أخرى قالت بأن هوية الطالب تجدد كل سنة بمبلغ ٣٥ الف ولا تسلم لهم في بداية السنة, مشيرة إلى أن الهوية أصبحت بكلفة ٥٠ ألف ولا تستلم الدفعة الاولى من القسط إلا بعد استلام وصل الهوية, وعند دفع القسط الثاني طلبوا منهم وصل بقيمة ٣٥ ألف أخرى .
معدلات عالية
ويرى الطالب ( حسين علي) خريج من الجامعة المستنصرية, بأن المعاناة من الجامعات الاهلية امتدت الى الدراسات العليا, حيث كثرة اصحاب المعدلات العالية من خريجي الكليات الاهلية اصبحوا ينافسون خريجي الجامعات الرسمية في القبول في الدراسات العليا، وبالرغم من ان اغلبيتهم يرسب في امتحان القبول, فإنه يتم قبول عدد منهم بسبب معدلاتهم العالية .
ضعف المعدل
ويقول الطالب (ذو الفقارهاشم) ، انه لجأ إلى خيار الكليات الأهلية بسبب معدله (55) الذي لا يؤهله لدخول الجامعات الحكومية, ورغم اعتباره نفقات الدراسة والبالغة مليونين ونصف دينار عراقي باهظة جدا، فإنه متمسك بالدراسة فيها، لأنه لا يرى فارقا يذكر بين الكليات الأهلية والحكومية من حيث المساواة، لأن خريجي الجامعات يحتاجون في النهاية إلى واسطة من أجل الحصول على فرصة عمل .
تحقيق لـ سراب احمد / شيماء عبد الأنيس