الجاليات العراقية..ورقة التوت
د. فاتح عبدالسلام
بعد سقوط النظام السابق، كانت هناك حركة نشيطة في معظم الجاليات العراقية لدى دول العالم، لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة. تأسست تجمعات وانبثقت هيئات وجمعيات فعاليات، اتخذت مسميات تناغم الوضع العراقي في طوره الجديد بين مدافع عن التغييرات التي أحدثها الاحتلال الأمريكي ورافض للاتجاهات التي وصفوها بالتابعة وغير الوطنية وروجوا لبدائلها التي وردت في سياق النهج الأمريكي ذاته. ولعبت السفارات في بداية تشكيلها الجديد أدواراً في تلك الأنشطة ذات الطابع السياسي الفاقع بالرغم من ان بعضها كان يستتر تحت فعالية فنية أو ثقافية. حراك الجاليات علامة صحية وحاجة اكيدة لتواصل أبناء البلد في الغربة من اجل ادامة الصلات فيما بينهم ومع الوطن، الا انَّ الايدي السياسية كانت تحرّك الخيوط وتحشد الجهود وبتمويل من هنا وهناك، من اجل الانتخابات غالباً، أو لتلميع أسماء ورفع رايات. توالت السنوات وتوالت الانتكاسات العظيمة بعدها، وانتكست معها الى حد التلاشي معظم الفعاليات التي شغلت أوساط الجاليات العراقية. فعاليات انتهى مفعولها لأنها أوصلت أسماء معينة الى مناصب في البلد المشتعل بالأزمات، وبعضها استفاق من دوامة التعبئة الشمولية الجديدة تحت وقع الشعارات الطائفية البائدة التي أظهرت العراقيين امام العالم كوجوه قادمة من عصور مظلمة سحيقة تثير الرعب أو الشفقة أو السخرية، لا فرق. رُددت شعارات وصدحت مواويل وأُلفَت كتب ودُبّجت مقالات وانهمرت تصريحات وامتلأت شاشات، حتى انتهى ذلك المولد، كما يقول المصريون، الى هذا العراق الكئيب الرازح تحت رماد نيران لا أحد يدري متى تنفجر لتقضي على الأخضر واليابس، مادام انّ السنوات الثماني عشرة من عمر العهد الجديد انتهت من دون ان تتأسس الدولة الجديدة، فهي إما قائمة على أشلاء ما سبقها او هي رهينة بيد مَن لا يعرف شيئا عن دولة سابقة أو لاحقة، والجميع يستقوي بأي شيء على الدولة. اختفت نشاطات الجاليات العراقية ما بين صحوة مَن كانت له نيات حسنة قبل عقدين من الزمن واكتشف حقيقة ما جرى، او انكشاف اغطية الاخرين فلم يعودوا قادرين على معاودة نشاطهم لفقدانهم واستنفادهم أدوات تبرير الفشل بعد سنوات طويلة سقطت فيها حجتهم في تبرير كل فشل وفساد بحداثة العهد بالحكم. كنا نتمنى ان تنبثق فعاليات وطنية ثابتة في الجاليات لا يرتبط مصيرها مع سياسيين زائلين.