التوازن الدستوري ترسيخ للتوافق الطائفي والقومي
أياد السماوي
لغم جديد خطير يضاف إلى تلك الألغام التي زرعها الطائفيون والانفصاليون في الدستور العراقي عام 2005 عندما سار الشعب للتصويت على أخطر وثيقة من دون أن يعلم أنّ هذه الوثيقة ستجسد الانقسام المجتمعي والفرقة بين أبناء البلد الواحد .. اللغم الجديد هذه المرّة قد دسّ في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي صوّت على معظم مواده , ومن هذه المواد التي صوّت عليها مجلس النواب العراقي في مشروع القانون هي المادة ( 4 / أ ) التي نصّت على ( يحفظ في تكوين المحكمة التوازن الدستوري بين مكوّنات الشعب العراقي ) .. ففي الوقت الذي يناضل فيه الوطنيون الأحرار إلى إنقاذ البلد وتحرير النظام السياسي القائم من هيمنة نظام المحاصصات الطائفية والقومية التي دمرّت البلد وجسدّت الفرقة بين مكوناته ومزّقت نسيجه الاجتماعي .. يتسلّل من جديد دعاة التوافق الطائفي والقومي إلى مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي طال انتظاره وينجحوا في دّس نص قانوني سيرسخ مبدأ التوافق الطائفي والقومي في أهم مؤسسة قضائية بعد مجلس القضاء الأعلى , أنيطت لها بموجب الدستور مهمّة الحفاظ على نظام الدولة ومنع تشريع أي قانون يتعارض مع الدستور والقانون , إضافة إلى الفصل في كافة النزاعات التي تنشأ بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية , وكذلك مهمّة تفسير النصوص الدستورية .. وهذا يتطلّب أن تكون مهمّة اختيار أعضاء هذه المحكمة على أساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والاستحقاق .. وليس على أساس التوافق الطائفي والقومي الذي ورد في المادة ( 4 / ا ) تحت مسمّى التوازن الدستوري , وكأنّ الدستور العراقي قائم على مبدأ أسمه التوازن الدستوري …دعاة التوافق الطائفي والقومي الذين كتبوا الدستور بخلفية طائفية وقومية , لم يكتفوا بما تسبّب به هذا الدستور من انقسام مجتمعي وفرقة بين أبناء البلد الواحد , ولم يتّعضوا من المشاكل التي نجمت من خلال هذا الانقسام .. فها هم من جديد ينفذوا من خلال قانون المحكمة الاتحادية العليا وينجحوا في دّس هذا النص الشاذ من دون أن ينتبه أحد من نواب الشعب لخطورة هذا النّص .. معتبرين أنّ ما ورد في نص المادة ( 9 / ا ) من الدستور العراقي الخاصة في تكوين القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية والتي راعت فيها توازن وتماثل مكوّنات الشعب العراقي , هو مبدأ عام يسري على جميع مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقانونية .. وسؤالنا إلى المشرّع العراقي ( الفذ ) , وهل نجح هذا التوازن والتماثل في تكوين القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية في تحقيق الانسجام واللحمة بين مكوّنات الشعب العراقي ليعاد استنساخ هذه التجربة في قانون المحكمة الاتحادية ؟ وأين هو هذا التوازن الدستوري المفتعل ؟ فهل وردت في الدستور العراقي مادة أخرى غير المادة ( 9 / ا ) تتحدّث عن هذا التوازن ؟ ولماذا هذا الإصرار على نقل مبدأ التوافق الطائفي والقومي ( البغيض ) إلى قانون المحكمة الاتحادية ؟ وما هي مصلحة الشعب العراقي في تعميق الانقسام بين مكوّناته ؟ وهل سيلتفت أعضاء مجلس النواب العرافي لهذا اللغم الجديد الذي زرعوه في قانون المحكمة ويعيدوا التصويت عليه من جديد ما دام القانون لم يتمّ إقراره بعد ؟ أم أن نظام التوافق الطائفي والقومي البغيض والإنقسام المجتمعي هو قدر العراقيين في ظل هذه الطبقة السياسية الحاكمة ؟ .. ختاما نقول لولاة الأمر .. كفى تعميقا للانقسام والفرقة بين أبناء الشعب الواحد تحت أي مسمّى وأي مصطلح ..