التنبؤ بإقتصاد العراق أشبه بقراءة الفال
التنبؤ بإقتصاد العراق أشبه بقراءة الفال – هوشمند رفيق
منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 مر البلد بالعديد من المراحل والمحطات التاريخية الصعبة الملطخة بالدم، تحاكي السنوات الأخيرة التي سميت سنوات التحرير والحرية والديمقراطية في العراق، لكنه لم يكن معقداً ومليئاً بالمشاكل والأزمات كالذي يحدث الآن، حتى في سنوات نظام صدام حسين الذي فرض أكبر حربين في المنطقة على دولتين جارتين، وعلى مستوى الصعيد المحلي، فثمة:
الأنفال، والقصف الكيمياوي، والتطهير العرقي للأمة الكردية، والاعدامات لبقية الشعب العراقي من المعارضين … إلا أنه لم يحل الخراب والدمار في جميع مناحي وتفاصيل الحياة اليومية والمستقبلية للعراقيين.
في الوقت الذي كُتب للعراقيين دستوراً عام 2005 وصوتوا له بنسبة 80 ولكن الآن وعلى الرغم من أنه وبعد أن أصبح للعراق دستور مدني، لا توجد أية فلسفة اقتصادية، ولا يوجد لديه أي نظام اقتصادي مطبق يتبعه، ؟إذ إنه لا يعرف أي نظام اقتصادي يتبع، فبعد كل دورة انتخابية، تعين تشكيلة وزارية جديدة، ويأتي فريق آخر إلى مقاعد السلطة، الكل يشبه بعضه بعضاً، لأنهم لا يملكون أية خطة استراتيجية اقتصادية، يربطون دائماً اقتصاد العراق بالأجندة الدولية ودول المنطقة، لهذا السبب لا يعرفون أي نظام وفلسفة وسياسة اقتصادية، يجب اتباعها من أجل أن تكون في مصلحة العراقيين.وفي ضوء هذا الرأي، نرى أن قوانين وقواعد ونظريات الاقتصاد العلمي العالمي لن يكون لها مكاناً في اقتصاد العراق، أياً كان من الاقتصاديين العالميين والمحليين، على الرغم من وجود أكاديميين من مختصين اقتصاديين وماليين، فضلاً عن وجود خبراء الاقتصاد التطبيقي، لا يستطيعون قراءة الاقتصاد العراقي، إذ لا يمكنهم تحليل المشاكل. وعليه لا يمكنهم التنبؤ بمستقبل اقتصاد هذه البلاد، لأن العراق خالٍ من القراءة العلمية الحديثية، فالعراق بعيد عن التفسيرات العلمية، والبلد يستمع لسياسة المصالح الخارجية، فالعراق يدار من قبل رجال أعمال سياسيين، إذ لو كان يسير على وفق منهجية اقتصادية علمية وخطط استراتيجية، لاستطاع أن يتجاوز هذه المحنة الاقتصادية، عدنها يمكن للخبراء التنبؤ بالمستقبل على وفق المؤشرات العلمية الواقعية المتاحة. وهنا في حالة مثل انخفاض قيمة العملة الوطنية مقابل صعود العملة الثقيلة للدولار الأميركي، سيكون المختصون في حيرة من أمرهم سواء الخبراء أو كبار المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي أو كبار مستشاري الدولة . سوق العملات أصبح في أيدي عديمي الخبرة والمافيات، لذا فإن ارتفاع أو انخفاض قيمة الدولار انعكس سلباً على حياة الناس. خاصة الطبقة الفقيرة والمتوسطة من موظفي الحكومة الذين رواتبهم مستقرة، بالمقابل، ترتفع أسعار البضائع يوماً بعد يوم.عملة وطنيةبطبيعة الحال، فإن أسباب انخفاض قيمة العملة الوطنية ترجع إلى عدة أسباب، ولكن قبل أن نتحدث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة، علينا أن نتحدث عن المرحلة الأولى، من هذا التراجع، إذ إن الحكومة العراقية في زمن مصطفى الكاظمي بهدف وتخطيط جميع القوى السياسية، فضلاً عن مجلس النواب العراقي، كانوا قد اشعلوا الضوء الأخضر بشأن تخفيض قيمة الدينار العراقي إزاء الدولار، إذ كانت غاية حكومة مصطفى الكاظمي هو عدم خفض قيمة العملة الوطنية مستقبلاً، وإنقاذ العراق من الأزمة المالية حتى لا يواجه العراق موجة تضخم عاتية مثلما يحدث الآن في دول إيران وتركيا ولبنان وسوريا. الخ، وجاء هذا بعد تعليمات وتوجهات صندوق النقد الدولي، ما دفع العراق إلى كسب نحو تريليون دينار شهرياً كإيرادات، وإنقاذ خزينته من المساحة الخالية، ورفع احتياطاته إلى نحو 100 مليار دولار، وللغرض ذاته، فخفضوا قيمة العملة الوطنية بنسبة 25 بالمئة وهذا الإجراء كان يحاكي المعالجة الصينة، لكنه في الحسابات الاقتصادية يعدُ خطأً اقتصادياً كبيراً، لأن العراق يستورد أكثر من 90 في المئة من السلع والمواد، ليس مثل جمهورية الصين التي تعد من أكبر الدول المصدرة في العالم، ولها تأثير كبير على الأسوق العالمية.
بعد التشكيلة الوزارية وصل إلى السلطة محمد شياع السوداني في إطار التعاون، وهذا واضح للجميع، إذ كان رئيس الوزراء الحالي قد انتقد في وقت سابق قرار عدم رفع قيمة العملة الوطنية، لكن في غضون ولايته، ارتفع السعر أعلى بكثير مما كان عليه زمن الكاظمي، فواجهت سوق العملة العراقية الكثير من الاضطرابات، وفقدان الاستقرار، وقيمة الدولار يتزايد ارتفاعها يومياً على الرغم من الحلول الترقيعية للحكومة، والآن هي عاجزة عن مواجهة هذه الأزمة، ويبدو أنها لا حيلة لديها في عمل أي شيء بالمستقبل المنظور! وهذا يمكن أن نعزوه لعدة أسباب وعلى النحو الآتي:
1- قرار تخفيض قيمة الدينار من قبل الحكومة العراقية في إطار السياسة المالية، خلافا للسياسة المالية للبنك المركزي أدى بالمواطنين العراقيين بشكل عام ورجال الأعمال والشركات الكبيرة، أن يكون لديهم ثقة أقل بعملة الدينار، ويفكرون في استبدال دخلهم الكامل بالدولار، مما سيؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدولار مقارنة بالدينار العراقي.
2- واستنادا إلى قانون الطلب والعرض، فإن البنك المركزي العراقي الآن، مقارنة بالماضي، يعرض أقل من دولار.
إضافة إلى ذلك ، زاد معدل الطلب ، لذلك عندما يكون العرض أقل والطلب مرتفعا، فإنه سيرفع قيمة الدولار.
طبعاً إذا كان الشراء والبيع والبيت التجاري على المستوى المحلى بالدينار، لم يكن ليرتفع بهذه الطريقة، لأن الدولار هو عملة شبه رسمية في جميع أنحاء العراق وإقليم كردستان.، معظم الصفقات التجارية والبيع والشراء بالدولار الأميركي وليس بالدينار، وعلى رأس كل شيء ، يتم استيراد البضائع بكميات كبيرة، وهذا يتطلب عملة الدولار، لو كان المنتج المحلي على هذا المستوى، وسد الاحتياجات الداخلية، ربما لم يكن هكذا الآن سعر اغلى.
3- وجود من شركات البيع والشراء الوهمية للدولار، والتي تشتري بسعر أقل من البنك المركزي العراقي، ثم تبيعها بسعر أغلى في السوق السوداء، وهذا ما جعلهم يتلاعبون بسوق العملات بالدولار، والذي من المرجح أن يقفز عليه ويغيرون في البورصة .
أو بشكل غير قانوني، كما يقال، يهربون العملة إلى الدول المحيطة مثل سوريا وتركيا وإيران ، لأنها واجهت الحصار والأزمات المالية، وقيم عملاتهم في انخفاض مستمر.
ويعد العراق أحد مصادر الاستحواذ على الدولار الأميركي، عن طريق التجارة أو الشراء غير المباشرة للعملات الثقيلة مثل الدولار الأميركي.
4- طباعة المزيد من حجم الدينار، وهذا سبب آخر لارتفاع الحجم النقدي لجميع أشكال الدينار العراقي مقارنة مع السابق ارتفع من 56 تريليون دينار إلى نحو 80 تريليون دينار مطبوع، وهذا يؤدي إلى التضخم السلبي، ويؤدي إلى انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار على غرار ما حدث 1993-2003. بطباعة كمية كبيرة من الدنانير، ودخولها السوق مما أدى إلى انخفاض قيمة الدينار.
5- النقطة الأساسية هي أن إجراءات البنك الفيدرالي الأميركي الصارمة ضد العراق، والتي كما في السابق، ربما لا تعيد عائدات مبيعات النفط العراقي إلى البلاد بالدولار، بحجة أن مبلغاً كبيراً من الدولار يذهب إلى دول النقطة الثالثة التي ذكرناها، وخاصة بالنسبة لجمهورية إيران الإسلامية.
من هذه النقطة فصاعداً، الاقتصاد العراقي، يتجه نحو اقتصاد منهار، فالبنية التحتية المستنزفة متخلفة، لا تصدر سوى النفط، والمنتجات المحلية وصناعة المواد الغذائية في مستوى ضعيف، ولكن ما يسعد الخبراء حتى الآن. هناك نحو أكثر من 100 مليار دولار وعشرات الأطنان من الذهب في الاحتياطي النقدي، وما نراه هو أن اقتصاد العراق لن يكون واضحاً أبدا بقراءة الفال أو الكف، بل بخطط استراتيجية ونظام اقتصادي واضح! السؤال الكبير ماذا سيحدث لو حل السلام بين روسيا وأميركا وتهاوت أسعار النفط؟!