التمثال والانتحار
حمزة مصطفى
أواخر عشرينيات القرن الماضي أعلن انتحار عبد المحسن السعدون ثاني رئيس وزراء في تاريخ العراق الحديث بعد نقيب أشراف بغداد عبد الرحمن النقيب، بعد نحو أربع سنوات على انتحاره كوفئ السعدون بشارع وتمثال، الشارع اسمه (شارع السعدون) والتمثال الشامخ على مقتربات ساحة النصر اسمه (تمثال السعدون).
لا أحد يتحارش لا باسم الشارع ولا بالتمثال ما عدا فترة قصيرة بعد العام 2003.الآن العراقيون ينتحرون يومياً، الإحصائيات الشهريَّة تتحدث عن عشرات والسنويَّة مئات والأسباب معروفة، بعكس انتحار السعدون الذي لا يزال وربما سيبقى غامضاً مثل قصة انتحار مدير شركة دايو الكورية، الذي لا نعرف إنْ كان انتحر على الواهس أم نحر على النصب والفساد والصراعات السياسيَّة؟لا أحد يعرف إنْ كان الكوري سيحظى في بلاده بتمثال وشارع أم راح “فدوة”؟ هذه أيضاً لا نعرفها ولن نعرفها لأننا حائرون بـ “دردنا” الانتحاري لا درد الكوريين الذين لا يهمهم سوى سباق المسافات الطويلة بين الشركات العابرة، في العراق صارت أخبار الانتحار أكثر من عادية، الحديث عنها لا يختلف عن أي حديثٍ جارٍ بين أي مواطنين عراقيين يحتسيان الشاي في مقهى أو يركبان الكيا الكورية طبعا، الحديث لا يتعدى الهموم اليومية (الرواتب، كورونا، التظاهرات، قانون الانتخابات وترمب وبايدن وأيهما معنا عليهم أو علينا معهم).
من بين تساؤلات المواطنين المشروعة هي لماذا تقتصر حالات الانتحار على المواطنين الفقراء؟ الإجابات وإن تختلف نسبيا لكنها لاتخرج عن الدوافع المعروفة للانتحار مثل الفقر والخلافات الأسرية والكآبة وانعدام فرص العمل، فضلاً عن السوشيال ميديا التي اسهمت في تسويق ظاهرة الانتحار.
فالانتحار في النهاية احتجاج والمنتحر سواء كان عبد المحسن السعدون قبل أكثر من 90 عاماً أو مدير شركة دايو الكورية قبل نحو شهر أو مراهقة لا يتعدى عمرها 15 عاماً يسعى لأن يوصل رسالة ما.
الرسائل تختلف طبقا لعناوين المنتحرين ومستوياتهم، السعدون انتحر لأن مباحثاته فشلت مع الإنكليز والكوري نحر لأن دايو ليست على الربط السككي، أما باقي المنتحرين فهم ليسوا أكثر من حطب لكي يعيش باقي السياسيين فوق خط الرفاه والسعادة.