التعليم يزيد الفقر عراقياً
التعليم يزيد الفقر عراقياً – جليل وادي
من المفارقات المضحكة ان التعليم في بلادنا يزيد الناس فقرا ، بينما يفتح لهم في العالم أبواب الثراء ، فنقف حائرين كحيرتنا في تربية أبنائنا ، هل نربيهم على المثل العليا والقيم النبيلة ، وما ان يخرجوا للشارع حتى تفترسهم ذئاب بأنياب حادة غير قادرين على مقاومتها ، ام نترك للشارع يكيفّهم للعيش في غابة صارت لها ملامح واضحة ؟ ربما ينصح الواقعيون بتركهم للشارع ، بينما ينتصر المثاليون للتربية بمفاهيمها الصحيحة ، أمر كارثي أن تكون المعادلات معكوسة ، كما هي حال معادلة التعليم يزيد الفقر في بلدان التفكير الارتجالي .
من الحقائق العراقية التي لم يتوقف أمامها المعنيون ان توسع القبول بالجامعات يعني زيادة في نسبة بطالة الخريجين ، والوجه الآخر لهذه الحقيقة يشير الى ان التقليل من هذه النسبة يتطلب ايقاف التوسع سواء في الدراسات الأولية او العليا ، بينما يصفون التوسع بالإنجاز المهم بوصفه فرصة تعليمية متاحة لأكبر عدد ممكن من الشباب لإثراء ثقافتهم العلمية والثقافية ، مع ان التوسع جاء في جانب كبير منه استجابة لضغوط حزبية وشخصيات سياسية ، ودخل على الخط المستثمرون في التعليم الأهلي .لقد أغفل هؤلاء المعنيون جانبين مهمين أولهما ان طاقة البنى التحتية للجامعات لا تستوعب هذه الأعداد المهولة ، وان المستلزمات المطلوبة لتأهيلهم وفقا لمعايير الجودة غير متوفرة الا بحدود ضيقة ، ما يعني تراجعا في مستوى التعليم ، وثانيهما عدم قدرة الدولة على توفير فرص العمل لجميع الخريجين ، والذين يحصلون على وظائف عامة لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة ، كما ليس بمقدور مؤسسات القطاع الخاص حتى وان فعّلت الى طاقتها القصوى الاسهام بالقضاء على بطالة الخريجين الذين يطالبون بوظائف مناسبة لشهاداتهم .
لو أجرينا مقارنة بسيطة بين نسبة العاطلين بين الخريجين مع العاطلين الذين لم يتمكنوا من دخول الجامعة ، لوجدنا ان نسبة العاطلين الخريجين أكثر قياسا بأعداد كل منهم ، ويرجع ذلك الى ان غير الخريجين يعملون في كل القطاعات ، ويتنقلون من مهنة الى اخرى ، وليس هناك ما يحول دون ممارسة أي عمل ، بينما يرفض الكثير من الخريجين العمل بمهن يظنون انها غير لائقة بشهاداتهم ، ويقلل من شأنهم ، وان الدولة مسؤولة عن توفير فرص عمل لهم ، الجوانب النفسية والاجتماعية تشكل عائقا للكثير منهم ، وبالتالي تكون الدولة قد أوقعتهم في مشكلة تعبر عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات وربما ما هو أكثر من ذلك في السنوات القادمة عندما تكون عاجزة كليا عن تشغيلهم بينما تتضخم أعدادهم ، لا سيما بعد ان فتحت الكليات الأهلية الأبواب على مصاريعها ولمعدلات متدنية ، خصوصا وان الطلبة لم يعد يرضون بالدراسة في المعاهد التقنية والادارية باستثناء الذين تحول امكانيات عوائلهم المالية دون ذلك ، فضلا عن الدراسات المسائية في الجامعات الحكومية التي وجدت فيها حلا لصعوبات مالية تتعرض لها بسبب عدم صرف تخصيصاتها المالية من الميزانية العامة للدولة ، فصارت تقبل أكبر عدد ممكن حتى وان كان خارج حدود طاقتها ، او عدم توفر الشروط المطلوبة بالمتقدمين .
ان نظرية التعليم للتنوير لا تشكل هدفا للناس على الاطلاق ، وكل ما يعنيه التعليم لهم الحصول على مهنة لائقة تدر دخلا يضمن حياة كريمة ورغيدة ، ولا قيمة للتنوير مع الفقر ، نتطلع الى تنوير مع الغنى ، واذا لم يتحقق هذا الهدف ، فالغنى مع التخلف أكثر قبولا بنظرهم .في ضوء معطيات الواقع يمكن التقليل من نسبة بطالة الخريجين بحدود ضئيلة ، اما القضاء عليها فصار من بين المستحيلات ، نسبة البطالة تتزايد سنة بعد اخرى ، ما يعني ان نسبة الفقر في تصاعد ، فعلينا تبديد وهم الشباب بحياة مثالية بعد التخرج ، ويكمن الحل بعدم فتح أبواب الجامعات حكومية او أهلية أمام كل من حصل على شهادة الاعدادية ، فقد يدفهم هذا الاغلاق الى ممارسة مهن الحياة المختلفة ، ربما يكون في ذلك تحريرا لهم من فقر قائم او محتمل.