التعليم في زمن الكورونا
الكاتب : أ.د. محمد الربيعي
أولا لابد من تحديد المسؤولية في انعدام التعليم (المدرسي والالكتروني والذاتي) في وقت الأزمات وخصوصاً في وقتنا الراهن.
اعتقد أن من يتحمل المسؤولية الأساسية لانعدام البدائل في التعليم حالياً هم من بيدهم القرار. هناك دائماً حلول سياسية ولكنها تتطلب من القيادات التعليمية والتربوية التخلي عن مناصبها لفشلها وسوء إدارتها وعجزها في القيام بوظائفها. ومن يفشل في تنفيذ وظيفته التعليمية والتربوية، فهو لا يستطيع إعادة انتاج ظروف بقائه لذا توجب عليه الرحيل، فالفساد الإداري المتمثل بالمحاصصة والفساد المالي، وسوء الإدارة يمنعان أي منجز تربوي يقدم للطالب.
لربما كان حصيلة سياسة التهديد والترهيب والترغيب وتخوف الطلبة من فقدانهم لكامل السنة الدراسية الحالية هي الأسباب الرئيسة لاضطرار الطلبة للعودة الى مقاعد الدراسة، ولكنهم سرعان ما ابعدوا عنها بعد أن أغلقت المدارس والجامعات أبوابها بسبب التخوف من انتشار فيروس الكورونا.
الآن إننا أمام مأزق آخر وهو كيف يمكن انقاذ ما تبقى من السنة الدراسية وماذا يمكن إجراؤه لكي يتواصل الطلبة مع مدرسيهم ويتلقوا ما يمكن من تلقي من معلومات ومن دروس ومن دون التواجد في الصفوف وبداخل المدارس والجامعات، وعلى الرغم من ضياع معظم السنة الحالية.
نبذة عن الإجراءات المستعجلة في العالم المنكوب
إن سرعة وحجم الاضطراب التعليمي نتيجة انتشار فيروس كورونا- الذي يؤثر الآن على 290.5 مليون طالب في جميع أنحاء العالم- ليس له مثيل يذكر في التاريخ الحديث. لذا فأن إغلاق المدارس والجامعات لعدة أيام وأسابيع وأحياناً حتى أشهر قد يكون له تداعيات لا توصف على الأطفال والشباب والمجتمعات ككل.
في العالم المنكوب بفيروس الكورونا تسعى المدارس والحكومات إلى إبقاء الأطفال يتعلمون في المنزل. وكمثال أنشأت الحكومة الإيطالية صفحة على الإنترنت لإتاحة الفرصة للمعلمين للوصول إلى أدوات التداول عبر الفيديو وخطط الدروس الجاهزة. محطات التلفزيون المنغولية تبث دروسا للطلاب، وجعلت إيران محتوى الإنترنت لجميع الأطفال مجانياً. كما أعلنت دولة الإمارات عن البدء في التعليم عن بعد، خلال بوابة التعليم الذكي، لجميع المراحل التعليمية، بشكل استثنائي لمواجهة فيروس كورونا والحد من إنتشاره.
حتى أن الطلاب اليوم يتعلمون التربية البدنية عبر الإنترنت: هناك مدرسة واحدة على الأقل في هونغ كونغ تطلب من الطلاب- بارتداء الزي الرياضي- المتابعة مع قيام المدرس بإظهار الحركات الرياضية على الشاشة، وتوفر كاميرا الانترنت لكل طالب دليلًا للتعلم. لكن المشاكل الأساسية تكمن في بطء سرعة الانترنت وفي توقفها. بعض الانقطاعات لا مفر منها. تظهر المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية المعلمين والطلاب يتسلقون فوق أسطح المنازل أو يحومون خارج منازل الجيران بحثًاً عن إشارة إنترنت قوية. تطلق الصين الآن “البرنامج الوطني السحابي للإنترنت” المدعوم من 7000 سيرفنت لضمان عدم تعطل النظام الذي يلبي احتياجات 50 مليون طالب في المدارس الابتدائية والمتوسطة في نفس الوقت، ويتم تغطية عشرات الموضوعات بما في ذلك “التعليم الوبائي”، مع توفر 169 درساً في الأسبوع الأول من بداية البرنامج الذي يبث من خلال الستلايت الى المناطق النائية لضمان عدم انقطاع الارسال.
يبدو أن الطريقة الوحيدة الممكنة والتي يمكن تجربتها في العراق هي عبر توظيف تكنولوجيا الاتصال من خلال تقديم المحاضرات عن بعد. لكن هل يمكن تحقيق هذا الهدف في ظل:
1- فقدان أو ضعف الخبرة اللازمة والتدريب الضروري للقيام بهذه المهمة التكنولوجية الصعبة.
2- عدم امتلاك الكثير من الطلبة والمدرسين لحسابات الايميل.
3- ضعف الانترنت أو انقطاعها في كثير من المناطق.
4- انقطاع الكهرباء بصورة متكررة.
5- الدراسة تحتم التواجد في الصفوف وتعتمد في جوهرها على التلقين المباشر بوجود مدرس يلقي وطالب متلقي.
بالنسبة للجامعات فان ادماج التكنولوجيا في نظام التعليم على مستوى الكم والكيف هي شرط أساس لمسايرة التقدم التقني المتسارع من خلال البوابات الالكترونية وشبابيك الخدمة الذاتية وتسجيل المحاضرات على المباشر وبعض صيغ التدريب والتدريس التفاعلي، لكن ان يعوض حضور المحاضرات والاحتكاك الفعلي بالمدرسين والتفاعل معهم وبوجود المكتبة وبضرورة الدروس العملية واجراء التجارب المعملية والفعاليات الأخرى، وتعويضها بشكل “ملزمة” على النت سينفي مفهوم التعليم الجامعي وينسف اسسه.
اتخوف من انها ستكون عملية مبتورة وبديل بائس لإدارة ضائعة بين رغبتها اليائسة في البقاء في السلطة وبين توفير احتياجات الطلبة الحقيقية في التعليم والتعلم.
ان التعليم عن بعد رغم اهميته لا يمكن أن يكون بديلاً في جامعة بنيت الدراسات فيها بالأساس على الاحتكاك بين الطلبة والاساتذة وعلى كون الاستاذ مربي ومعلم ومدرب وتربوي. فما يطرح حالياً من أساليب التعليم عن بعد لا يستوفي شروطه. لذلك لا يمكن مجرد وضع التدريسي “لمحاضراته” على النت اعتباره تعليما عن بعد، وبديلا لما تقوم به الجامعة من تعليم وتدريب. إذا ما تم ذلك فهو مجرد نقل المحاضرة وعرض شرائح البوربوينت على النت ليتم تنزيلها من قبل الطالب وهو بذلك لن يختلف عما هو متوفر أصلا للطلبة بصورة مطبوع “الملزمة”. عمليا وفي الظروف الحالية لربما سيمكن تدريس الأجزاء النظرية إلكترونياً بينما لن يتمكن من تدريس الجانب العملي بهذه الطريقة ولذلك لابد من تأجيله لحين العودة للدراسة بصورة نظامية.
لابد من التأكيد ان المطلوب هو تعليم اون لاين وليس نقل معلومات اون لاين.
لذا سيكون المحك الرئيس لنجاح أو فشل العملية هو ماذا سيوفر التعليم الالكتروني للطالب بأكثر مما هو متوفر لديه من تعليم ورقي.
هل سيوفر لهم التعليم الالكتروني والتعليم عن بعد احتكاك وتفاعل مباشر مع المدرس؟
هل سيساهم في خلق بيئة تفاعلية من خلال التقنيات الإلكترونية، ويوفر تنوع في مصادر المعلومات والخبرة؟
وهل سيدعم عملية التواصل بين الطلاب والمدرسين؟
هل يمتلك المدرسين المهارات التقنية لاستخدام الأجهزة الحديثة والتقنيات الإلكترونية، التي تساعد في عملية التعلم الجماعي والتعلم الذاتي؟
هل ستساعد في توسيع دائرة اتصالات الطلاب من خلال شبكات الاتصالات العالمية والمحلية وعدم الاعتماد على المعلم كمصدر وحيد للمعلومات والمعرفة؟
ام كما يبدو يراد منه الادعاء باستمرار الدراسة والتظاهر باستخدام تكنولوجيا التعليم الالكتروني في خلال الازمات؟
ما يقلقني أن الغرض كما يبدو هو إيصال “الملزمة” و “البوربوينت” الى الطالب وليس تطبيق برنامج للتعلم السحابي واستخدام منصة للتعلم عبر الانترنت كما هو عليه اليوم في دول العالم التي أوقفت فيها الدراسة كالصين.
لذا ما يتوجب عمله حالياً إذا ما أردنا حقا استخدام تكنولوجياً التعليم عن بعد، هو:
1- تمكين الاف المدرسين من استخدام برنامج للتعليم السحابي وتقديم خدمة مباشرة للتدريس.
2- بث مواضيع الدراسة على قناة تلفزيونية متخصصة.
3- دعم النظام الأساسي للأنترنت لتمكين استخدامها من قبل مئات الآلاف من الطلبة واستخدام البث عن طريق الستلايت.
4- جعل الانترنت مجانية للطلبة.
5- والأهم، استخدام تقنية التعليم العالي “موكس” لاطلاق المقررات عن طريق منصة محلية او الاعتماد على منصة عالمية كمثل منصة الاتحاد الأوربي ومنصة المملكة المتحدة:
Home
وعن هذا الطريق يمكن (أن يتضمن المقرر فيديو موجز عن كل محاضرة وملفات المنهج المقرر لكل محاضرة ومحاضرات خاصة للجانب العملي وروابط للتجارب المختبرية التطبيقية التي تدعم المحاضرة والمناقشة والاجابة على أسئلة واستفسارات الطلبة وامتحان الطلبة من خلال مستودع خاص لكل طالب وتقييم الطالب وإعلان النتائج. المصدر د. أحمد الامارة، جامعة الكوفة) .
أخيراً..
عجبي على وزارة وجامعات تمتلك أدوات تكنولوجيا المعلومات والتواصل منذ سنوات وتدعي أن التدريسيين يستخدمون بالفعل نظم إدارة التعلم كالمودل وغوغل كلاس رووم ونفاجأ اليوم وفي ظل أزمة الكورونا أن قلة قليلة بالحقيقة تعرف استعمالها ونادراً ما أحد يستخدمها فعلاً.
اليوم ومن دون تدريب سابق أو معرفة سابقة بها يطلب من التدريسيين والطلبة استخدام هذه التكنولوجيا وبنطاق واسع. ولتفادي الفشل نتيجة الجهل تصدر بعض الجامعات بوسترات توضيحية مبسطة وكأن هذه التكنولوجيا مجرد ايميل أو واتساب يمكنك البدء في استخدامها بما فيها إرسال مهام وواجبات الدراسة والتداول بين الأستاذ والطلبة والمشاركة في المنتديات الجماعية للنقاش، هذا في وقت يجهل كثير من التدريسيين حتى الاستخدام المنتظم للايميل. ما هكذا يا معالي الوزير تورد الإبل!
من المسؤول عن هذا الضياع والخسارة الهائلة التي تتكبدها الجامعات العراقية بسبب ترددها في استخدام هذه التكنولوجيا والناتجة حيناً عن وجود مقاومة يشدها الحنين الى الموروث التقليدي، وحيناً عن غياب مشاريع ومبادرات حقيقية في هذا الإطار، وحيناً ثالثاً الى انعدام الأموال اللازمة والتخوف من المعرفة الجديدة.