التعقب الإلكتروني وكورونا: هل ينتهي بعد الأزمة؟
يخضع عدد كبير من سكّان العالم لأنظمة مراقبة غير مسبوقة من قبل، أبرزها التعقّب عبر الهواتف. والسبب، المعلن على الأقل: منع انتشار جائحة كورونا، والتأكد من الالتزام بالتباعد الاجتماعي؛ غير أنّ العودة إلى ما قبل استخدام هذه المراقبة قد لا يبدو سهلا بحسب تحذيرات حقوقيّة.وتستخدم حكومات 25 دولة على الأقل برامج ثابتة لتعقّب بيانات الهاتف المحمول، وتطبيقات لتسجيل التواصل الشخصي مع الآخرين، وشبكات تلفزيونية مغلقة (مثل كاميرات الشوارع) بإمكانها التعرّف إلى الوجوه، بالإضافة إلى تحديد مواعيد الخروج، واستخدام الطائرات المسيّرة من أجل فرض أنظمة التباعد الاجتماعي، بحسب رصد صحيفة “ذي غارديان”، اليوم، الثلاثاء.هذه الطرق طبّقها الحكومات المستبدّة والديمقراطية على حدٍ سواء، وفتحت هذه الحكومات أسواقًا جديدة مربحة للشركات التي تستخرج وتبيع وتحلّل البيانات الشخصيّة.ففي إسرائيل، المعروفة بسمعتها الدوليّة في تكنولوجيا جمع المعلومات، سواءً الحكوميّة أو الخاصّة، بتعبير صحيفة “ذي غارديان”، فسرعان ما أقرّ رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، نظام مراقبة على مستوى البلاد، يشرف عليه جهاز الأمن العام (شاباك)، بينما دفع وزير الأمن، نفتالي بينيت، باتجاه التعامل مع شركة NSO الخاصّة، وهي شركة تجسّس إسرائيليّة مثيرة للجدل وتتّهم بتقديمها منظومات تعقّب لعدد من الحكومات غير الديمقراطيّة واستخدمت في انتهاك حقوق الإنسان.ولا تكتفي الحكومة الإسرائيليّة بذلك، بل أبلغت المحكمة العليا بأنها تعتزم منح صلاحيات أوسع للشاباك خلال الفترة المقبلة.طائرة بدون طيار لفحص الالتزام بالحجر المنزلي في إيطاليا (أ ب)طائرة بدون طيار لفحص الالتزام بالحجر المنزلي في إيطاليا (أ ب)أما في الصّين، ألزم مئات الملايين من السكّان على تحميل تطبيق “رمز الصحّة” (هيلث كود)، يحدّد للناس إن كان بإمكانهم السفر أو مغادرة المنزل، وذلك عبر الألوان التي يُظهرها التطبيق الأخضر والأصفر والأحمر؛ وفي أوروبا فتجمع الحكومات بيانات الاتصال، وتوظّف الطائرات المسيرة وتستنسخ تطبيقات التعقّب الشخصي التي طُوّرت في آسيا، بحسب “ذي غارديان”.في حين أعلنت شركتا جوجل وآبل في الولايات المتحدة الأميركيّة عن فتحهما نظام تشغيل هواتفهما لتطبيقات مشابهة، ستحمّل على هواتف تعمل بأنظمة “آي أو إس” و”أندرويد” على حدٍّ سواء.وشبّه رئيس “مختبر المواطنين” في جامعة تورنتو وأحد أبرز خبراء مراقبة الهاتف، رون ديبريت، في حديثه لـ”ذي غارديان” تأثير الجائحة بتأثير أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، “وقد تؤدّي إلى سوء استخدام فظّ للسلطة”، من قبل الحكومات، معلّلا بأن كثيرا من هذه الإجراءات لا نهاية محدّدة لفترة تطبيقها “وقد تؤسّس لما يصفه أشخاص كثيرون بالواقع الجديد”، وأضاف “علينا أن نكون يقظين حتى نتأكد من وجود ضمانات ملائمة، لأن احتمال وجود سوء استخدام للسلطة شديد للغاية”.كما حذّر ناشطون دوليّون من أن التركيز على تدابير المراقبة قد يَحول دون تركيز الموارد على المكافحة الصحيّة، مثل تحسين قدرة الحكومات على إجراء فحوصات أو تزويد المشافي بمزيدٍ من المعدّات الطبيّة.وقال مدير مسؤول المناصرة في مؤسسة الخصوصيّة الدوليّة الخيريّة (مقرّها لندن)، إيدن عمانوفيتش، إن هذا النوع من التكنولوجية “قد يبدو جيدًا على الورق، لكنّه يقوّض، على أرض الواقع، الجهود المبذولة لمكافحة المرض على المدى الطويل”.الدول الآسيويّة كانت من الدول الأولى التي استخدمت تطبيقات التعقّب، وحقّقت نجاحا كبيرا في كوريا الجنوبية، كما تصدر هونغ كونغ أساور تعقّب للسيّاج الدوليّين، توصل بتطبيق MobileHomeSafe للجوال، بينما يعمل تطبيق TraceTogether في سنغافورة، عبر استخدام البلوتوث للعثور على أشخاص تواجدوا على بعد مترين من شخص شُخّص على أنه مراد بفيروس كورونا.هل يكفي التعقّب الإلكتروني وحده؟كان تعقّب الاتصال فعّالًا بشكل خاص في كوريا الجنوبية، التي استخدمت بيانات نظام تحديد المواقع العالمي ولقطات الكاميرات وسجلات بطاقات الائتمان لتحديد وتحذير ضحايا المرض المشتبه بهم. لكن الخبراء قالوا إن المراقبة الإلكترونيّة في البلاد ما كانت لتكون فعالة لولا اختبارات طبيّة ميدانيّة واسعة النطاق، ما سمح للمسؤولين بالتأكد بسرعة من حالات الإصابة بفيروسات كورونا الجديدة.وفي بروكسل، حذّر الاتحاد الأوروبي أعضاءه من أن يؤدي اعتماد تطبيقات التعقّب إلى مخاطرَ على “الحقوق والحريات الأساسية”، مع إبداء السلطات في بولندا وهولندا وإسبانيا وأيرلندا والمملكة المتحدة اهتمامًا بطرح تطبيقات الهاتف المحمول لمساعدتها على تعقب المصابين بالفيروس.فأعلن وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، أول من أمس، الأحد، عن خطط لتطبيق قائم على البلوتوث يحذر المستخدمين إذا كانوا قريبين من شخص يشتبه في إصابته بفيروس كورونا، بينما قال وزير الصحة الهولندي، هوغو دي جونج، الأسبوع الماضي، إن 60٪ على الأقل من السكان سيحتاجون إلى تحميل التطبيق الهولندي المماثل ليكون فعالًا. وقال خلال مؤتمر صحافي “إننا نبحث ما إذا كان يمكنك أن تطلب من الجميع القيام بذلك”.وفي الوقت نفسه، أصدرت شركات الاتصالات في إيطاليا وإسبانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى “خرائط حرارية” لحركات المستخدمين، بحجة أن البيانات كانت مجهولة الهوية ومجمعة بشكل كاف لمنع تعقب الأفراد، ما قد يمثل انتهاكًا محتملًا للائحة العامة لحماية البيانات.بينما قال مفوض الاتحاد الأوروبي الأخير في بريطانيا، جوليان كينج، الذي شغل حقيبة الأمن في بروكسل، إنه يشعر بالقلق لعدم وجود نقاش حتى الآن “حول نوع المجتمع الذي نريده والقيم التي نعتز بها”.