التخطيط الإستباقي في مهمة المفاوض العراقي
محمد الجاسم
من التعاريف المتفق عليها للعلاقات الدولية ،انها تفاعلات ثنائية الأوجه ، كالتي تحصل بين دولتين،أو كالتي تحصل بين طرفين دوليين ،لإجراء تفاعلات ثنائية أيضاً..وبغض الطرف عن نمطية التفاعلات بين (الصراعية) و (التعاونية)، فإن بعض التفاعلات التعاونية تبدو كذلك في الظاهر،لكنها موجهة الى خدمة صراع مستور أو صراع من نوع آخر ،يتبناه أحد الطرفين، إما لتنفيذ أجندة إستغلالية إقتصادياً ،أو بغية الهيمنة على القرار السياسي والأمني للطرف الآخر الأضعف في المعادلة.وفي هذه الصورة يمارس الطرف الأقوى نمطاً من تقديم العون أو المساعدات العسكرية في التدريب والتسليح المقترح،وربما تعاوناً تجارياً يضمن فيه ربحية مضمونة، بغية الوصول الى التأثير على قرار الطرف الأضعف، وتوجيه سياسته بما يخدم مصالح الطرف الأقوى، وفرض القيود التي تكون تحصيلَ حاصلٍ للمفاوضات غير المتكافئة بين الطرفين، كالذي يحدث تماماً في العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق.وفي هذا السياق،يعتزم رئيس الوزراء العراقي السيد مصطفى الكاظمي السفر الى واشنطن لإجراء محادثات تتعلق بالعلاقات بين البلدين،ولا يبدو واضحاً هنا، أن الطرف الأقوى وهو الولايات المتحدة،سيستقبل السيد الكاظمي بوصفه رئيس وزراء دولة قوية أو مستقرة سياسياً واقتصادياً..بل سيكون السيد الكاظمي في المحادثات ،هو الطرف الممثل لدولة لاتتمكن فيها حكومتها من تأمين رواتب موظفيها إلا بطريقة الإقتراض،ولايتعاون معه الشركاء الداخليّون وأهمهم حكومة الإقليم المتمرد على السلطة الإتحادية والخارج عن سطوة القضاء الإتحادي وديوان الرقابة المالية الإتحادي،ولاتخضع قوات حرس الإقليم فيها لسلطة القائد العام للقوات المسلحة الإتحادية،دولة يطمع في الإعتداء عليها عسكرياً واحتلال جزء من أراضيها دول الجوار دون أن تُحَرِّكَ قطعاتٍ عسكريةً لردع الإعتداء أو تحجيمه لحين تسوية الأمر دبلوماسياً،دولة ليس لديها القدرة أن تتفاوض على استرداد هيبتها من الطرف المفاوض ،لدرجة أنها ساكتة تماماً إزاء تحويل سفارة دولة الطرف المفاوض الى قاعدة عسكرية في قلب العاصمة العراقية وتجريب منظومة صواريخ باتريوت دون علم أو أخذ رأي أو موافقة الدولة المضيفة،سيذهب رئيس الوزراء يتفاوض مع طرف بعد أن اعتدى على أجوائه وأراضيه ،وقصف مطار عاصمته الدولي وقتل قائداً مهماً جداً في حشده الشعبي المنتظم ضمن القيادة العامة للقوات المسلحة التي يرأسها هذا المفاوض، ناهيكم عن الوضع الأمني الهش والذي لايأمن فيه أحد على حياته وعمله. نرجو إن لا تكون المفاوضات القادمة المزمع عقدها بين السيد الكاظمي والجانب الأمريكي عبارة عن حزمة من الإملاءات التي تخص الشراكة الأمريكية العراقية في ميادين التجارة والتسليح والتجهيز والتدريب،وربما ستشمل الجانب الثقافي الى حد ضعيف،دون أن يتم التطرق الى خروج أو برمجة مغادرة القوات العسكرية الأمريكية الأراضي العراقية،الأمر الذي أعرب عن الرغبة فيه الشعب العراقي بالتظاهرة المليونية المعروفة، والتي على أثرها إنبثق عن مجلس النواب العراقي في وقتها قرار تم التصويت عليه بإجماع الحاضرين يقضي بالطلب من الحكومة أن تتبنى إخراج القوات الأجنبية من البلاد بالطرق الدبلوماسية . ينتظر الشعب العراقي بفارغ الصبر، تحويل قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الاجنبية من البلاد،الى أمر واقع ،وتأسيس علاقات جديدة مع التحالف الدولي، تراعى فيها مصلحة الشعب العراقي وسيادة الدولة واحترام خياراتها الدولية،والتخلص من كابوس الوجود العسكري الأمريكي في العراق الذي بات يشكل مصدر رفض وقلق وانزعاج للعراقيين وجيرانهم،وبخلافه ستكون المفاوضات بين واشنطن وبغداد ليست ذات قيمة جوهرية للجانب العراقي و لن تحقق الأهداف المرجوة منها إذا لم تناقش خروج القوات الأمريكية من البلاد بتركيز وإلحاح ودون مهادنة،علماً أن البرلمان العراقي قال كلمته عن طريق لجنة الدفاع والأمن النيابية، بأنه سيرفض اي تفاوض بين بغداد وواشنطن يعزز الوجود الأمريكي داخل العراق.ورُبَّ قَوْل..أنفذُ مِنْ صَوْل..ناصرية ـ