البرجوازيون الجدد في العراق
محمد شريف أبو ميسم
البرجوازية باختصار، هي الطبقة المتحكمة برأس المال، وتبلورت هذه الطبقة في بلادنا عن أشكال ما قبل الاحتلال التي فرزتها منظومة الاستبداد، خصوصا الفئة التي ورثت الثروة المنهوبة في الحسابات المصرفية أو الاستثمارات المسجلة بأسماء وهمية خارج البلاد، ثم وبشكل لافت اتسعت هذه الطبقة افقيا جراء الاختلالات في ادارة الدولة خلال السنوات الثماني عشرة، التي أعقبت الاحتلال، والتي وظفت فيها امكانيات الدولة لصالح القوى النافذة وأتباعها، مستفيدة من الفوضى وانفلات السوق، أو من تداعيات ما سمى بالإصلاح الاقتصادي الذي مهد وكرس لوجود طبقة «الكومبرادورية» التي تنشأ من الطفيليين في مراحل التكيف، جراء تحول النظام الاقتصادي من اقتصاد شمولي الى اقتصاد حر، لتلبس رداء البرجوازية، ثم سرعان ما تتحالف مع رأس المال الأجنبي تحقيقا لمصالحها والاستيلاء على السوق الوطنية. وازاء هذا التكوين حيث تزاحمت ثم تعايشت الشرائح البرجوازية التي ولدت جراء اقحام البلاد في فوضى السياسة وسوء الادارة والهيمنة على موارد الدولة وانفلات السوق، في ظل نمط اقتصادي وتجاري منفلت وما سببه التراجع في الطاقات الانتاجية المحلية من تكريس للفقر وازدياد معدلات البطالة، تبلورت البرجوازية بشكل بات يؤهلها للسيطرة على مفاصل الحياة، بعد أن دعمها وجود البرجوازية الوسطى والصغرى التي كانت تحفا بصيرورتها خلال تلك السنوات، وبات امتلاك رأس المال وشراء الأراضي سمة من سمات تكوينها بعد أن انتفعت من فشل الدولة وفساد الجهاز الاداري.وقد استطاعت البرجوازية بأشكالها الثلاثة التي تبلورت، أن تسيطر على مسارات الحياة وتحتكر أدواتها، انطلاقا من بيئة الأعمال بعد استغلال أدوات الدولة في السياسات النقدية والمالية والسياسات الخدمية المتخبطة في ظل ايرادات نفطية عالية، بينما انعشت البرجوازية الوسطى بفعل المضاربات التي شهدتها سوق العقارات ودعم الدولة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وانتعاش سوق صرف العملات، والأسواق الموازية الأخرى، واعتاشت البرجوازية الصغرى في ظل التحولات الاقتصادية ووظفت الارباكات في حركة السوق لصالحها، وكانت كلما خطت الحكومات خطوة باتجاه تنفيذ مفردات ما سمى بشروط الاصلاح الاقتصادي، يزداد تطفلها على حالات التكيف مع أسيادها الكبار مقابل ازدياد معدلات الفقر وتراجع الخدمات. الأمر الذي ضيّق مساحة وجود «البرجوازية الوطنية» التي تعتني بالاقتصاد والأسواق الوطنية، ومن المتوقع أن نشهد صعودا للكومبرادورية مع التحولات المرتقبة خلال عمر الحكومة المقبلة، في سياق برنامج الاصلاح الاقتصادي المفروض على البلاد من قبل مؤسسات العولمة الدولية.