البابا غادر..وبقينا وحدنا
د. فاتح عبدالسلام
انتهت زيارة بابا الفاتيكان التاريخية الى العراق، ولايزال الوقت مبكراً على تقييم نتائجها التي هي اعتبارية واخلاقية وروحية قبل أن تكون شيئاً آخر. انتعشت في ثلاثة أيام زاهية، آمال المسيحيين بالعودة من بلاد الغربة الى ديارهم التي تركوها، حتى قبل الاضطهاد الاخير لهم من تنظيم داعش، ذلك انّ هجرات المسيحيين انطلقت منذ العام ٢٠٠٣، وتسارعت بعد ٢٠١٤ ولا تزال . لكن الخوف يظل كبيراً في نفوس مَن اكتوت قلوبهم بنار التهجير والقتل والنهب والحرق، بعد قرون من العيش الآمن مع بقية العراقيين في بلد واحد أو في مدن وبلدات كانت قبل قيام الدولة العراقية تستند الى وعي المجتمع المحلي في التعايش من دون قرارات عليا أو تشخيص يوم واحد في السنة لإعلاء كلمة التعايش والسلام. بل انَّ التعايش في العراق كان منذ مطلع زمن الدولة العراقية الحديثة في العام ١٩٢١ منفتحاً على الديانات الابراهيمية الثلاث، وهو الامر الذي لم تستطع الدولة بعد أن كتبت دستوراً جديداً أن تعيد ذلك الأمل في التعايش بين الديانات الثلاث، كما القوميات والملل والفئات، واعلاء شأن حق المواطنة للجميع واعادة ذلك الحق لمن نُزع منه عنوة تحت أحكام عهود سياسية غير ناضجة تتقاذفها اهواء زعامات الانقلابات وأدوات الخارج.من حق المسيحي وسواه أن يتساءل عن السبب الذي لم يوفر له الدستور حقوق الحماية والعيش الآمن على نحو الزامي لمَن يحكم في مركز السلطة؟ ولعل هذا هو تساؤل مُلِح من جميع العراقيين حتى الذين هاجروا منذ عقود وعينهم باقية للأبد على بلدهم العراق. ان السلطات لم تكن جادة في التعامل الاداري المرن والواقعي لجعل العراقيين المهجرين منذ سنوات بعيدة أن يعودوا الى احضان البلد، وإلا ما معنى ان تطالب وزارات ودوائر مواطنين عائدين أو بصدد العودة بإبراز البطاقة التموينية كوثيقة اثبات، ربما في نظر بعضهم اقوى من هوية الاحوال المدنية، من دون أن يتساءل وزير مقفل العقل والضمير عن كيفية أن تكون لمواطن هاجر قبل ثلاثين سنة بطاقة تموينية أو ورقة من مختار المحلة أو حتى منزل وعنوان في البلد أيضا. وقِس على ذلك التفكير ما يوحي انّ هناك مسافات خيالية بين الشعارات والواقع .المواطنون لايزالون بحاجة الى حزمة من القوانين التي تقيهم شرور الطائفية والانقسامية الغافية تحت عباءات السياسيين الثقيلة، من اجل ان يكون العراق وطن جميع أبنائه حقاً، وذلك أمر تنقصه حتى اليوم الارادة السياسية القوية فضلاً عن التشريعات الوقائية، وليس بالشعارات والمناسبات البروتوكولية وحسب .