مع المتغيرات الأخيرة الجوهرية في فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتعيينه لقيادات صقور جديدة ،فهناك مخاوف من ان تعاني العلاقات الأميركية مع الحكومة المركزية في بغداد بعض الازمات، حيث تأتي هذه التعيينات وسط تغييرات أخرى ستشهد إزالة بعض كبار المسؤولين في البيروقراطية الواشنطينية. وهكذا، فإن وزارة الخارجية مثلاً ستفقد نفوذاً أكبر مقارنة بوزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي، وكلاهما متأثر أكثر برؤية إيران المركزية للعراق والمنطقة. وعليه فمن المتوقع أن يصبح موضوع الحشد الشعبي مثلاً قضية خلاف في وقت قصير إلى حد ما، وقد تؤثر سلباً في العلاقات الأميركية العراقية على نطاق أوسع، بما في ذلك في دعم العراق في الجانب المالي وحث واشنطن الضروري لصندوق النقد والبنك الدولي في التعاون التام والآني مع الحكومة العراقية في مواجهة محنته الاقتصادية.
من المحتمل أن تزيد التعيينات الجديدة (قسم منها خاضعًا لموافقة الكونغرس) من حدة التوتر في المنطقة، مع وجود دولة إسرائيلية محصنة وإيران المحاصرة، ويمكن للعراق مرة أخرى أن يصبح أرضا للمنافسة الإقليمية ونقطة توازن مهمة، ويمكن أن يعاني التقارب السعودي العراقي نتيجة لذلك. وتجدر الإشارة هنا الى صعود أهمية البعد السعودي في المعادلة العراقية ايضاً، اذ ترى واشنطن ان لإسرائيل ولولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان دور محوري وسيكون عضد الولايات المتحدة في تحجيم دور ايران في المنطقة.
ومن الواضح جداً للمراقبين ان واشنطن تراهن كثيراً على ولي العهد الجديد لتغيير المملكة العربية السعودية ومعها توازن القوى في الشرق الاوسط. وهنا قد يضطر العراق الى اتخاذ خيار إضافي بين طهران والرياض.
وهنا يأتي السؤال ان كان العراق مهيأ على مستوى نضج مؤسساته وقيادته ومجتمعه ليكون نقطة التقاء دولية ونقطة توازن ضرورية لاستقرار المنطقة. متطلبات هكذا دور لا يأتي بالتمني، بل تحتاج الى مقدمات مؤسساتية ونخبوية ومجتمعية مختلفة. أي كل طرف عراقي يلعب دورا تكامليا لصورة استعداد العراق ان تكون مرتكز تهدئة وبناء للمنطقة المضطربة والمتوترة.بخصوص التغييرات الجديدة في واشنطن وأثرها في سياساتها في الشرق الاوسط فسيكون هناك ازدياد في الكراهية تجاه إيران، التي اصبحت عدوا لا يمكن الدفاع عنه، ودعما قويا ايضاً للجناح اليميني في إسرائيل. ومن المرجح أن يؤدي اندماج هذين العنصرين إلى صياغة توصيات جديدة للإدارة المتعلقة بالسياسة في منطقتنا، بما في ذلك في العراق. علماً إن الجهود الأميركية لتحويل الشرق الأوسط من خلال الترويج النشط للديمقراطية ليست جزءا من جدول أعمال إدارة ترامب.
وبدلاً من ذلك، فإن مقاربته هي نهج “أميركا أولاً” في السعي من دون خجل إلى تحقيق المصلحة الذاتية والأهداف الفردية للأمن القومي الاميركي، ودعم الأطراف التي تتوافق مع أهداف سياسة واشنطن. ولعل المثل التاريخي لفهم الحال هي في نظرة صقور الحرب الباردة في الولايات المتحدة إلى العلاقات الدولية، حيث كانوا يحكمون على الحلفاء في المقام الأول من حيث المنافسة العالمية مع الاتحاد السوفيتي السابق.
قد نرى موقف واشنطن يتطلب من الحكومات العراقية الحالية (والمستقبلية بعد الانتخابات النيابية) موقفا لا لبس فيه ضد إيران وحلفائها، غير ناسين تمكن رئيس الوزراء د حيدر العبادي حتى الآن من اتباع سياسة متوازنة (نسبيا) والتي جعلت الولايات المتحدة وإيران تشعران بالسعادة نسبيا.
وإذا فرضت واشنطن على بغداد أن تختار، فمن المرجح أن يعطل هذا التوازن الدقيق، وهنا من المرجح أن تحصل الاطراف (الداخلية العراقية والإقليمية) المنادية بسياسات مناهضة لإيران على المزيد من السماع والاذن الصاغية في البيت الأبيض.
ومن المرجح أيضا أن يؤدي إلى تدخل أكثر بكثير من قبل لكل من واشنطن وطهران في الانتخابات القادمة وفي عملية تشكيل الحكومة التي تلي التصويت. لكن النتيجة النهائية يمكن أن تكون علاقات أكثر إثارة للجدل بين إدارة ترامب وأي حكومة عراقية جديدة، خاصةً وأن تهديد داعش يبدو أنه قد تضاءل ولم تعد من اولوياتها.
من الضروري ان ندرك ان دور شخص رئيس مجلس الوزراء المقبل سيكون مهما جداً في تحديد آليات تعامل واشنطن مع بغداد. من الجانب الأميركي احد اهم مؤشراتهم ستكون في مدى إعطاء رئيس مجلس الوزراء المقبل الأولوية لتقوية العلاقة مع واشنطن. اما من الجانب العراقي فهناك حاجة حقيقية وآنية لتقوية عدد وامكانيات الفريق المعني بالملف الأميركي، فالمتغيرات الواشنطينية كثيرة وتحتاج من الحكومة العراقية (من بغداد وليس فقط من سفارتنا في واشنطن) الى متابعة دقيقة وتواصل حي لكي لا تضلل قراءة مجريات الاحداث الدولية وخصوصاً ونحن مرشحون (او مجبرون) ان نكون في قلب العاصفة.