الاحزاب السياسية العراقية والشيخوخة
محمود الهاشمي
ان واحدة من اهم اسباب استمرار وديمومة اي حزب سياسي او تيار هو بما يتمتع به من حيوية وقابلية في الاشتمال على جميع التحديات التي تواجهه.الحيوية او الديناميكية تعتمد على بعدين اساسيين الاول ضخ الدماء الجديدة من الشباب الذين يؤمنون بمباديء الحزب اوهم من انصاره، والثاني في بنيوية الحزب ومنح افكاره روح التجديد والطاقة الفاعلة التي يستطيع من خلالها مواكبة الاحداث الداخلية والخارجية والخروج منها بافضل الحلول.الاحزاب السياسية في العراق سواء الدينية او الوضعية اصيبت بالشيخوخة سواء في قيادتها او في عقيدتها وافكارها، وباتت متخلفة عن عصرها.ان اسوء مرحلة لاي حزب سياسي هو ان يفقد انصاره من الشباب، لأنه بتقادم الايام سيصبح مجرد لوحة قديمة على باب المكاتب.ان القلق الذي يساور القيادات القديمة من ان الاضافة الشبابية قد تنحيهم عن مناصبهم او ان تدفع بالحزب الى موقع الخطر باعتبار ان اندفاع الشباب قد يفت من قوة حكمة الشيوخ ومن سطوتهم و يفسر على انه من المغامرة.ان فقدان الثقة لدى الاوساط العامة من الاحزاب الحاكمة في العراق ليس مرده فقط الى التآمر الخارجي بل الى فقدان الحيوية لدى هذه الاحزاب والتي ساعدت شيخوختها وانكماشها على شيوع الفساد في مفاصل الدولة حيث فقدت هذه الاحزاب اذرعها ودعمها الجماهيري الذي يساعدها في صناعة الدولة وحمايتها ايضا.ان محاولات بعض الاحزاب ذات التاريخ القديم في الجهاد والمعارضة في الحاق شخصيات جديدة للحزب وضمهم جاءت وافق مقاسات فاشلة لانها اختارت الاضعف من القوم حتى تستطيع فرض هيمنتها وابقائهم “تحت السيطرة”، فباتوا وان هم باعمار الشباب لكنهم اشبه جدا بالشيوخ من القيادات، بل وغدوا وبالا على الحزب نفسه.لما كانت الاحزاب والتيارات السياسية العراقية قد اهملت الجانب الحيوي في عقيدتها وفي الاضافات الشبابية وانفصال الاجيال الجديدة عنها هرعت الجهات الخارجية الى استيعاب طاقاتهم و حولتهم الى وسيلة لتدمير البلد وحرقه بدلا من البناء والاعمار.يبدو ان هذه الاحزاب قد تحجرت وباتت تنتظر سيناريو ازاحتها اكثر من محاولى بعث روح التجديد والحيوية فيها.هنالك جهات سياسية انفصلت عن مداراتها القديمة وحاولت ان تكون بديلا عن القيادات القديمة عبر الاشتمال على اكبر عدد من الشباب لكنها فشلت في مهمتها حيث تقدمت الى هذا الميدان بدون عقيدة واضحة و بلا هوية واستقدمت شخصيات شبابية لم تكن موضوع تقدير في الوسط الشبابي وغابت فيها الادارة الابوية والتفرد بالمواقف.ان هذا الانغلاق لدى الاحزاب العراقيه يشبه كثيرا لدى الاحزاب في البلدان العربية الاخرى حيث رغم طول امد تاريخهم النضالي والجهادي وحجم التضحيات التي قدموها لمواجهة الحكومات والاستعمار الا انها مازالت تراوح في مكانها وفشلت في اول فرصة باستلام السلطة حيث باتت اشبه بعجلة قديمة تسير وسط المدن المتحضرة فاستخفت بها الاجيال الجديدة ومنعتها من الاستمرار بالسلطة، فيما وجدت الجهات الخارجية فرصتها للنيل منها وتحريض الاجيال الجديدة ضدها.هذه المقدمة سقناها في وقت تم الاعلان عن انتخابات مبكرة قد تجري في بلدنا بعد عام من الان، والى اي احد تستطيع الاحزاب المصابة بالشيخوخة ان تسوق نفسها، بعد ان فقدت سمات الحيوية والتجديد وليس لديها من اوراق سواء تلك التي كانت تطالعها من قبل 50 عام على الاقل.قد يعتثد البعض ان هذا الحديث يخص الاحزاب الدينية مثلا والجواب كلا بل يتمدد على جميع الاحزاب بكل عناوينها واسمائها، والسؤال: هل ان الشيخوخة في العقيدة او بالافراد؟ الحق لا هذا ولا ذا، انما في الشخصية الحزبية غير القادرة على تطوير الياتها وبعث الحيوية في افكارها وعقائدها.حتى هذه اللحظة، لم تنتج الساحة العربية بشكل عام رغم المخاضات والتحولات التي شهدتها قديما و حديثا احزابا جديدة ايضا، بل لم تفرز شخصيات فيها رمزية تذكر.ان دنونا من العديد من هذه الاحزاب العراقية وقياداتها جعلنا ننتهي الى راي مفاده: يفكرون في الوسيلة للوصول الى السلطة دون ان يفكروا في كيفية ادارة السلطة وهذا لا شك سيكون على حساب الشعب ومصيره وما الت اليه الامور في بلدنا.المشكلة ان خيارات الشباب في الجانب السياسي غير واضحة و تسودها الفوضى و تغلب عليها التدخلات الخارجية ولم تسمح لها الفرصة ان تجرب لعبة السياسة بسبب سوء ادارة الاحزاب الحاكمة التي لم تصلح ان تكون نموذجا.ان جميع الابداعات و الافكار والحلول التي تنتجها عقول النخب تموت خارج البيئة السياسية للبلد، حيث ليس هنالك من احزاب السلطة من يفكر لدقائق في ان يتطلع بها للاستفاده منها و هذا الفصل بين العقول المبدعة وطبقة السياسيين افقدت الدولة قوتها ومصادر تطورها وسبل مواجهة التحديات.لا شك نحن امام معضلة ولا يكفي ان نجلد ظهورنا ونبكي على ملك ضائع و نحن امام معادلة اذا ما فقدناها سندفن التجربة السياسية في بلدنا الى الابد، المعادلة تقول: كما المثل الياباني “عندما تتحول الى حجرة تتعثربك المارة فاصعد الى جبل” ويبدو ان القصد واضح للجميع فقد شبعنا توسلا بكم ايها القادة ان تركنوا الى العدل فما ازددتم الا غيا، والبعد الثاني للمعادلة ان نفكر معا ان الوطن ذمة في رقاب اصحاب العقول الرشيدة وهؤلاء يرون ابناء وطنهم “امة” وليس “امما”.ونحن نختم نؤكد لقادة الاحزاب السياسية المتصدرة للسلطة الان، نأسف انكم لستم ورثة التاريخ الجهادي والنضالي لاحزابكم التي امتلأت ادبياتها بحب الوطن وبنائه واعماره، ولستم ورثة مفكريه الذين اعدموا من اجل المبادئ التي امنوا بها ولستم ورثة دماء الشهداء الذين قالوا كلمة الحق في وجه حاكم ظالم، ونكرر ان الخطأ ليس بالعقائد انما في الافراد الذين فشلوا في ايصال اهدافها الوطنية.