الإمارات والمغرب.. قنصلية العيون “التاريخية” تعزز الشراكة الاستراتيجية
تشهد العلاقات الإماراتية المغربية تناميا ملحوظا توج بقرار أبوظبي فتح قُنصلية عامة بمدينة العيون الواقعة جنوبي البلاد، في خطوة وصفته الرباط بأنها “تاريخية” للحفاظ على وحدة تراب المملكة.
القرار جاء في إطار علاقات التعاون المثمر والتضامن الفعال بين البلدين، وجسد موقف الإمارات الثابت في الدفاع عن حقوق المغرب المشروعة وقضاياه العادلة، ووقوفها الدائم إلى جانبه في مختلف المحافل المحلية والدولية.
ومنذ عهد مؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك الراحل الحسن الثاني، يعتبر المغرب شريكاً استراتيجياً وتاريخياً لدولة الإمارات العربية المتحدة.
وبفضل توجيهات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية تسير الدولتان جنبا إلى جنب وبخطى ثابتة نحو شراكة متعددة الجوانب.
وحرصت قيادتا البلدين على دعم العلاقات وتطويرها لتشهد تطورا متواصلا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية، وسط رغبة مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي، والاضطلاع بدور مهم في المحيطين العربي والإسلامي؛ من أجل ترسيخ أسس العمل العربي المشترك.
كما أن علاقات بين البلدين تتعدى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لتمتد إلى المجالات الإنسانية والاجتماعية أيضاً.
وطالما عبر المسؤولون بالبلدين في أكثر من مناسبة عن تميز وعمق العلاقات بين البلدين.
قنصلية جديدة
وأعلن المغرب أن دولة الإمارات قررت فتح قُنصلية عامة بمدينة العيون الواقعة جنوبي البلاد، لتصبح أول دولة عربية تقوم بهذه الخطوة.
وبحسب بيان للديوان الملكي المغربي، وصل “العين الإخبارية” نُسخة منه، فإن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، أخبر العاهل المغربي الملك محمد السادس، بالموضوع خلال مُباحثات هاتفية ثُنائية الثلاثاء.
ويندرج هذا الاتصال، بحسب المصدر نفسه في سياق “التنسيق والتشاور الدائمين بين قيادتي البلدين، وما يجمعها من عمق أواصر الأخوة الصادقة والمحبة المتبادلة”.
كما يأتي في “إطار علاقات التعاون المثمر والتضامن الفعال التي تجمع المملكة المغربية بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة”.
وبهذه المناسبة، عبر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن شكره الجزيل وتقديره الكبير لولي عهد أبوظبي، على “هذا القرار التاريخي الهام الداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية على هذا الجزء من ترابه”.
وأعرب ملك المغرب عن اعتزازه العميق بقرار الإمارات، كأول دولة عربية، تفتح قنصلية عامة بالأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأكد أن القرار يجسد موقفها الثابت في الدفاع عن حقوق المغرب المشروعة وقضاياه العادلة، ووقوفها الدائم إلى جانبه في مختلف المحافل الجهوية والدولية.
وقال البيان، إن هذا القرار “ليس بغريب عن دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وقيادتها الحكيمة، في نصرة القضايا العادلة والمشروعة”.
سفراء جدد
وتمتينا للعلاقات، أعادت الإمارات، نهاية أغسطس/آب الماضي، تعيين العصري سعيد أحمد الظاهري، سفيراً بالرباط، التي شهدت فترته السابقة تقوية للروابط بين البلدين.
وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة من تعيين العاهل المغربي، الملك محمد السادس، لمحمد الحمزاوي سفيراً للمملكة لدى الإمارات العربية المتحدة.
تكليف جديد يرفع من منسوب العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، لا سيما أن “الظاهري” شغل المنصب نفسه لمدة خمس سنوات، وهي الفترة التي شهدت تعزيزاً مُتسارعاً للعلاقات بين البلدين.
إذ قدم العصري أوراق اعتماده للخارجية المغربية في مارس/آذار من عام 2011، لتستمر مهمته حتى مارس/آذار من عام 2016، وهو الشهر الذي قام الملك محمد السادس بتوديعه، موشحاً إياه بـ”الحمالة الكبرى للوسام العلوي”.
أعلى المستويات
وشهدت السنوات العشرة الماضية تبادلاً للزيارات على أعلى المستويات بين قادة البلدين، وذلك تعزيزاً للعلاقات الثنائية وتوطيداً لها.
وخلال هذه الفترة، قام العاهل المغربي، الملك محمد السادس بزيارتين رسميتين لدولة الإمارات العربية المتحدة، الأولى في أكتوبر/تشرين أول عام 2012 إذ جاءت ضمن جولة زار خلالها كُل من المملكة العربية السعودية والكويت. ليعود في زيارة خاصة للإمارات في مايو/أيار 2015.
وفي مارس/آذار من عام 2015، قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بزيارة للمملكة المغربية تلبية لدعوة من الملك محمد السادس، وذلك تتويجاً لمسار متألق في مسيرة التعاون بين البلدين الشقيقين.
إذ عرف برنامج الزيارة توقيع اتفاقيات تعاون ثنائي بين البلدين الشقيقين وتدشين مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بمدينة الدار البيضاء ومصنع أفريقيا للأسمدة ومعمل تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر بإقليم الجديدة.
وخلال هذه الزيارة، قلد العاهل المغربي الملك محمد السادس، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الوسام المحمدي من الدرجة الأولى، وذلك تقديراً لجهود سموه وإسهاماته في تدعيم العلاقات الأخوية وحرصه على توطيدها وتنميتها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.
وجاء هذا التوشيح في أعقاب توقيع إحدى وعشرين اتفاقية ومذكرة تشمل المجالات الأمنية والسياسية والطاقة والتعليم والرياضة والثقافة والجمارك والشؤون الإسلامية والصحة والاتصالات والسياحة والبنية التحتية.
خط مباشر ودعم للاقتصاد
وفي هذه الفترة أيضاً، تم افتتاح أول خط جوي مباشر بين المغرب والإمارات.
ففي يناير/كانون الثاني، من عام 2016، أشرف كل من وزير السياحة المغربي الحسن حداد، والعصري سعيد الظاهري، الذي كان آنذاك سفيراً للإمارات في المغرب، وخالد غيث المحيربي، نائب أول الرئيس للشؤون الحكومية وسياسات الطيران بـ”الاتحاد للطيران”، وعدد من مسؤولي الشركة، على افتتاح هذا الخط، واستقبال الرحلة الأولى من نوعها التي تربط العاصمة المغربية بنظيرتها الإماراتية.
وقامت الإمارات العربية خلال هذه الفترة بتقديم دعم اقتصادي كبير للمملكة، إذ تربط الدولتان جملة من الاتفاقيات الاقتصادية، كما تحتضن المملكة عدداً من الاستثمارات الإماراتية، فضلا عن المنح والمبادرات التنموية التي تقودها الإمارات في المغرب.
كما شهد التعاون الاقتصادي بين البلدين حراكاً ملحوظاً، فعلى مستوى الاستثمارات الإماراتية في المغرب، فقد بلغت عام 2013 ما قيمته 1.3 مليار دولار.
وفي عام 2014، قامت شركة “اتصالات الإمارات”، بشراء 53 في المائة من رأسمال شركة “اتصالات المغرب”، بمبلغ إجمالي يُناهز 4.2 مليار يورو، وللإشارة فإن شركة “اتصالات المغرب”، هي أقدم وأكبر شركة اتصالات في المملكة.
كما أن الإمارات العربية المتحدة تحتل المرتبة الأولى في بورصة الدار البيضاء من حيث حجم الاستثمارات، منذ تلك السنة.
وساهمت الإمارات بشكل كبير في المنحة الخليجية المقدمة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، والبالغة إجمالاً 5 مليارات دولار، في حين كانت المساهمة الإماراتية بما يُناهز 1.25 مليار دولار.
كما ساهمت الإمارات كذلك بـ 500 مليون يورو في رأسمال صندوق وصال للتنمية السياحية البالغ ملياري يورو.
ومنذ تأسيس صندوق أبوظبي للتنمية عام 1974، ساهم في مواطن عدة في التنمية المستدامة للمملكة المغربية، على رأسها تمويل بناء ميناء طنجة المتوسط بمساهمة تقدر بـ 300 مليون دولار، بالإضافة إلى مساهمة الصندوق في تمويل إنشاء القطار فائق السرعة بين طنجة والدار البيضاء بـ100 مليون دولار.
وقامت الإمارات العربية المتحدة بتقديم مساهمات جمة على المستوى الصحي، وذلك عبر إنشاء مستشفى الشيخ زايد بالرباط ومركز سمو الشيخة فاطمة لعلاج النساء مرضى السرطان ومستشفيات أخرى بالمنطقة الشرقية.
إضافة إلى المساهمات الإنسانية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بـ 100 مليون دولار.
تبادل للخبرات الأمنية
ويتجاوز التعاون بين البلدين الكثير من المجالات، ليصل المجال الأمني والعسكري، الذي تعزز عام 2015 باتفاقية مهمة جداً، وُقعت في حضور كُل من الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتنص الاتفاقية على توسيع التعاون، ليشمل مجالات السياسات الأمنية والدفاع وإقامة دراسات وأبحاث في الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى التعاون في القوانين العسكرية، مع دعم الإمداد العسكري، والخدمات الطبيبة، والعمليات الإنسانية، في حفظ السلام.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، أصدر العاهل المغربي، الملك محمد السادس، تعليماته لـ”تقديم المملكة دعما فعالا لدولة الإمارات العربية المتحدة في حربها على الإرهاب والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميين والدوليين”.
وأكد بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية أن هذا العمل “يأتي لتعزيز تعاون عسكري وأمني متعدد الأوجه يمتد على فترة طويلة مع بلدان الخليج” مشيرا إلى أن المساهمة ستشمل جوانب عسكرية عملياتية واستعلاماتية.”
وذكّر البيان بـ”العمليات الدولية الإنسانية وتلك المتعلقة بالحفاظ على السلم التي شاركت فيها المملكة المغربية من أجل الدفاع عن الأمن الوطني والوحدة الترابية للدول الشقيقة والصديقة للمغرب”، مشيرا إلى أنه قد سبق نشر المئات من الجنود المغاربة وعلى مدى عدة عقود فوق التراب الإماراتي في إطار المساهمة في تكوين جهاز الأمن بإمارة أبوظبي.
وشدد صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية المغربي آنذاك، على أن “دعم المملكة المغربية للإمارات ثنائي وسيكون تحت قيادة الإمارات”، معلقاً بالقول: “نريد أن نعطي إشارة قوية بأن هناك تعاونا أمنيا قويا مع الإمارات”.
الاولى نيوز – متابعة