الإعلام والأزمة الاقتصادية
د.محمد فلحي
هناك ترابط واضح بين السياسة والإعلام والاقتصاد، وقد كشفت الأزمة الاقتصادية،خلال الأشهر الماضية، عن ضعف التغطية الإعلامية للوقائع والتداعيات، التي رافقت انتشار وباء كورونا وانهيار أسعار النفط والكساد الذي يشهده العالم كله، وقد برزت الحاجة الملحة للإعلام الاقتصادي المتخصص الذي يقوم على توظيف عقول الخبراء واستخدام لغة الأرقام، بدلاً من الخطاب الدعائي السياسي الذي يشوه الواقع الاقتصادي في أغلب البلدان، ومن بينها العراق.الاعلام الاقتصادي والمالي يمهد ويحلل ويحرك ويقود ويتوقع نبض الحركة الاقتصادية، ويقدم خدمة مهمة للاقتصاديين والمواطنين في آن معاً، ويمكن القول إن الأزمة المالية التي شهدها العراق في الأيام الماضية كانت في أحد جوانبها المهمة تمثل أزمة إعلامية، نتيجة تباين ردود الأفعال والتصريحات المتضاربة حول قرارات الحكومة بشأن تخفيض قيمة العملة الوطنية واقتراح ميزانية مالية تقشفية(إصلاحية)، وسط ضجة هائلة من دون احصائيات تضع الحقائق أمام الناس، أو تخطيط يرسم المستقبل أمام الأنظار! أزمة خطيرة تمس حياة أغلب المواطنين، بالأخص الفقراء، غاب عنها صوت المحلل الاقتصادي والخبير المالي وراحت الصحف والفضائيات تتناقل تصريحات السياسيين وتعكس خلافاتهم، ومن ثم تخلط الأوراق وتزيد من التوتر في الشارع وتلهب القلق في الأسواق بصدد عواقب المعالجة الحكومية للواقع الاقتصادي.لا شك أن هناك مناقشات ومداولات في الغرف الرسمية المغلقة سبقت تلك القرارات، وقد حجبت تفاصيلها عن الرأي العام، نتيجة غياب الرصد الإعلامي والتحليل الاقتصادي، وكان يمكن لمناظرة بين فريق من الخبراء أمام الجمهور أن يغني المواطن عن مشاهدة عشرات الساعات من الحوارات السياسية الصاخبة، التي سادتها التحيزات والمزايدات وعدم التخصص ومحاولة الكسب الانتخابي! الإعلام يصنع الوعي ويحرك الرأي العام نحو الأهداف المحددة، ويشارك صانع القرار ويساعده في اختيار الحلول الصائبة، ويقوم الاعلام الاقتصادي بنشر الثقافة الاقتصادية والمالية في المجتمع وشرح القوانين والتشريعات والإجراءات المالية ويتوقع آثارها ونتائجها.في ظل الأزمة الراهنة،التي يشهدها العراق ينبغي صياغة خطاب اعلامي اقتصادي يتمحور حول المجالات الآتية:1- وضع الخيارات والبدائل المتاحة والمعلومات والاحصائيات لمعالجة الأزمة أمام الرأي العام، من أجل بلورة موقف وطني رسمي وشعبي موحد لتجاوز الظروف الصعبة بأقل قدر من الخسائر. 2- توعية الجمهور بأهمية الادخار وترشيد الاستهلاك، وتقليل النفقات في ظل أزمة عامة تقتضي التضامن والتضحية من قبل الأثرياء لمساعدة الفقراء.3- دعم الانتاج الوطني من خلال الترويج الإعلاني الذي يعزز ثقة المواطن باقتصاد بلاده ويشجع الاستثمار في مشاريع تلبي الاحتياجات الأساسية.4- نقد وتحليل وتصويب القرارات والظواهر الاقتصادية والتعبير عن مشاعر الأكثرية من المواطنين ومراعاة المصلحة العامة من دون تحيز سياسي أو مصالح فئوية.