الإصلاح المنشود … رؤى شفافة ومقومات واقعية
محمد شياع السوداني
قبل_ وبعد_ تشكيل الحكومة إتفق الجميع على تحديد مهامها في ثلاثة أمور الأول منها إيجاد آلية ناجحة في إدارة الأزمة الاقتصادية بما يفضي إلى نتائج تخفف من شدة وطأتها على المواطن وبالوقت نفسه التصدي لجائحة كورونا التي لاحت بلدان العالم أجمع وحامت على بلادنا ذي المؤسسات الصحية المتهالكة.والثاني منها هو تهيئة متطلبات قانوني الإنتخابات والمفوضية العليا ؛وترتيب الأجواء لإجراء انتخابات نزيهة تمثل الشعب بشكل عادل اما الثالث فهو إعادة هيبة الدولة وفرض سيادة القانون بما يعيد الحياة الى طبيعتها بعيدا عن السلاح المنفلت وسطوة الجماعات الخارجة على القانون ولتُجرى الإنتخابات بإنسيابية عالية بعيدا عن أجواء التوتر الذي يفشل أيَّ عملٍ كان فضلا على أهمية الجانب الإقتصادي الذي يعدُّالركن الحاكم الذي بدونه لن يتحقق الإستقرار ولن تُجرى أية انتخابات. وتعدُّ أزمة العراق أزمةً مركبةً كونها مشكلة اقتصادية موجودة قبل كورونا وقبل إحتجاجات الحراك الشعبي اللذين زامنهما إنخفاض أسعار النفط عالميا وزاد عليه تخفيض حصص الإنتاج وتداعيات ماتقدم كلّه على الوضع العراقي. ومع وجود شريحة كبيرة من المواطنين _كانت تنتظر حلولا في مجال توفير فرص العمل والتعيينات _ كان الحلُّ الأمثلُ للحكومة؛ ومنذ اليوم الأول ؛ أن تقدم خطابا فيه مايكفي من الشفافية والوضوح عن حقيقة الوضع المالي والإجابة _وبصراحة كذلك _ عن ماهية الإصلاحات المطلوبة التي تعبرُ بنا إلى بر الأمان بعيدا عن هذه الأزمة مع التسليم بأن الثقة بين الدولة و القوى السياسية القابضة على السلطة والمواطن هي في ادنى مستوياتها. ومع بداية عمل الحكومة لاحت بوادر خجولة للإصلاحات حاولت فيها تطبيق العدالة الإجتماعية وتحديدا في موضوع إزدواج الرواتب والفضائيين والإهتمام بالمنافذ الحدودية الا أنها مضت في تقديم مشروع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي كأحد الحلول لضمان صرف الرواتب الأمر الذي قابله البرلمان بالموافقة بإشتراط تقديم ورقة إصلاحات خلال (60) يوما انتهت مدتها في (8/26) ولم تنجز هذه الورقة التي كان يفترض أن تتضمن إصلاحات جوهرية تعالج مواطن الخلل في العراق. مجدداً برزت مشكلة تأمين رواتب موظفي الدولة _ فضلا على مشكلة تاخرها_ والتي تمثل الشغل الشاغل والهم الأكبر للعائلة العراقية إذ أن هناك اكثر من (5) ملايين عائلة تتقاضى راتبا تقاعديا أو وظيفيا وهي تعيل نحو (30) مليون نسمة مايفاقم الأزمة الشعبية؛ تحديدا في ظل استمرار الإحتجاجات الشعبية في الوقت نفسه أضطرت الحكومة إلى سحب قانون الموازنة بعد إعتراضات كثيرة على بنوده ماحدا وزارة المالية أن تطلب من الحكومة والبرلمان تشريع قانون جديد للإقتراض. كنا _ومازلنا _ نأمل أن تتصدى الحكومة بقرارات حقيقية تعبر عن رؤيتها متحملة المسؤولية الشرعية والوطنية إذ لايمكن ان تبقى منكفئة على نفسها لاتفكر سوى بالقروض حلاً _ والتي تجاوزت (120) مليار دولار _ في ظل غياب أية خطوة عملية بإتجاه تنمية الإيرادات غير النفطية والسيطرة على الإنفاق وتوفير فرص عمل للعاطلين؛ وقد تكون الحلول موجعةً إلا أنه على صاحب القرار أن يفكر في المصلحة العليا للبلد. إنّ قرار الإصلاح في بلد مثل العراق يعاني هذا الكم الكبير من المشاكل يجب أولاً أن تُهيأ له حاضنة سياسية تدعم الحكومة في إتخاذ القرارات تساندها ثانياً بيئة شعبية متفهمة تعض على الجُرح وتمضي بإتجاه تنفيذ هذه الإصلاحات وتقبلها مؤقتاً لحين تجاوز الأزمة ؛ أما ثالثا والأكثر أهمية فهو وجود حكومة بقرارات جريئة شجاعة تضع نصب عينيها العراق بعيدة عن التجاذبات لاتجامل أيَّ طرفٍ سياسي داخلياً كان أم خارجياً ولا ترهن قراراتها بأهداف انتخابية أو إعلامية . هذه المقومات الثلاثة كلُّها كفيلة بتحقيق الإصلاح المنشود وايّ كلام آخر إنما هو إرباك للمشهد ولن يوقف الإنهيار المالي والاقتصادي الذي يهدد وحدة العراق وأمنه وإستقراره .