الأسوأ عندنا، والأسوأ عندهم
فاتح عبدالسلام
العالم يتغير كل يوم، ويستشعر الاخطار الجديدة التي تهدد الوجود الإنساني، في حين لا نزال في الدول العربية نضرب أخماسا سياسية في اسداس انقسامية، وأبرز مثال سيء هو العراق، لكنه ليس وحده في هذا الحال.
صدر مجددا تقرير حديث للأمم المتحدة، بشأن التنمية البشرية التي تواجه التآكل والتدمير والاندثار أحيانا في بعض المناطق في العالم، وهو تقرير استراتيجي في غاية الأهمية لأنه يرسم ملامح وضع الانسان على الكوكب في ظل التغيرات المفاجئة والمتوقعة معاً. النتيجة الأخطر التي توصل اليها التقرير الذي مر من مختبرات علمية وفكرية عالية المستوى، هي ان عقوداً من التقدم في مستويات متوسط العمر المتوقع والتعليم والازدهار الاقتصادي، بدأت في التراجع منذ بداية انتشار جائحة كورونا وما لحقها من انهيار أوضاع اقتصادية لدول ما كانت تظن انها ستكون ضعيفة الاقتصاد امام فيروس واحد.ويرى التقرير انه تراجعت تسعة من كل 10 دول إلى الوراء على مدار العامين الماضيين، في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة.
وتعزى أسباب ذلك التراجع إلى كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا وتأثير تغير المناخ على وضع التنمية العالمية.
لكن هناك دول كثيرة لها أسبابها الذاتية خارج تلك الثلاثية، في انحدار وضعها الاقتصادي والمعيشي، كبريطانيا التي بالكاد خرجت من منظومة الاتحاد الأوربي لكي تواجه منحدرا عالمياً في زمن الجائحة.
الدول الصناعية كانت تعد اقتصاداتها لمواجهة أزمات مالية داهمة او حروب مفاجئة مباشرة، لكنها واجهت ما هو أكثر من ذلك في الجائحة فضلا عن ان الحروب غير المباشرة كما في أوكرانيا كانت ذات تأثير مباشر أيضا على الدول الاوربية البعيدة عن ساحة الحرب، الى جانب دول العالم الفقيرة التي كانت تعتمد على أسعار مستقرة للغذاء والحبوب. وأبدت الدول الصناعية صمودا عبر إمكاناتها الكامنة العملاقة وضخّت المليارات تلو المليارات لنسمع عن ارقام ما كنا قد سمعنا بها في اسوأ الأحوال طوال ثلاثين سنة الأخيرة.
ماذا اعددنا في العراق، الغارق في أزمات تبدو أحيانا خارج مسار التاريخ الطبيعي للبشرية، وكيف يمكن ان نواجه أزمات أكبر حين تقع حرب أخرى أكثر ضراوة من حرب أوكرانيا، ويصبح النفط غير القابل للتصدير من دون قيمة تماماً؟
أتمنى ان اسمع من أصحاب الاختصاص او من بقي منهم في مركز السلطات عن استعداداتنا ليوم أكثر قتامةً، باتت مقدماته متاحة الاطلاع؟
الأسوأ عندنا تحدده اضطرابات وتخرصات الطبقة السياسية التي ستذهب ذات يوم خلف شمس مشرقة، في حين ان الأسوأ في نظر العالم مرسوم في احتمالات وخطط استراتيجية، لأن غرق الكوكب هو غرق الجميع.
أمّا في العراق، فليغرق مَن يغرق، مادامت اقطاب الطبقة السياسية قد أمّنت مسارات نجاتها، بحسب نظرهم قصير المدى طبعاً .