اقطعوا رأس الأفعى قبل أن تأتي على كل القطيع
اقطعوا رأس الأفعى قبل أن تأتي على كل القطيع – علي الشكري
في ثمانينيات القرن المنصرم ، سعى مدرس فاشل جاهداً لتولي إدارة مدرسة ثانوية ، عُرفت بتميز كادرها التدريسي وطلبتها ، إذ كانوا يحرزون المراتب المتقدمة في المحافظة ، كما عُرفت المدرسة بحداثة مبانيها ومختبراتها ، وتنوع محتويات مكتبتها، حتى راحت قبلة لاهل المدينة من الباحثين عن التميز لابنائهم ، ونتيجة لتفوقها وتفردها اضحت محل اهتمام ودعم الجانب الرسمي والشعبي ، إذ التف أهل المدينة حول إدارتها وكادرها ، داعمين مساندين وفي كثير الاحيان متبرعين ، لسد النقص وتغطية الحاجة ، وهو ما أثار حفيظة المدارس التي عُرفت بسوء ادارتها وضعف كادرها التدريسي وتسيب طلبتها وصد أولياء الامور عن التعامل معها . وفجأة ودون سابق انذار اجتاحت المدرسة تحركات تطالب بإقالة المدير مع نجاحه وتميزه ، قادها الفاشل والراسب وسيء السلوك من الطلبة ، وكان الامر ظاهراً مبرر ، فالفاشل والراسب ومن كثرت مشاكله واشكالياته ، لا يملك الا رمي التهم على الاخرين ، وليس له من سلاح للدفاع عن نفسه ودفع التهم عنه الا إثارة المشاكل واختلاق الازمات ، ونتيجة لاستمرار الاحتجاجات ، وكسبيل لحل الازمة ، واحتواء الموقف ، وعودة السير المنتظم للدراسة ، صدر أمر بتنحية المدير ، ونقل بعض أعضاء الكادر التدريسي ، بذريعة تكدس الكادر وحاجة المدارس الاخرى لخدماتهم ، ونُقل بعض موجودات المختبرات والنفيس من الكتب الى المدارس الاخرى ، بحجة سوء التوزيع ، وانتفاء الحاجة ، وظهور الحاجة في المدارس الأخرى ، وخلال هذا الحراك المريب ، كان العقلاء من أولياء الأمور والحكماء من أهل المدينة والحريصين من التربويين ، يستهجنون قرارات التنحية والنقل ، ويرتابون من قرارات نقل الموجودات ، ويتحركون لوقف نزيف انهيار المدرسة ، لكن لا سامع ولا مُجيب ، ولا حياة لمن تنادي . وفي غفلة من الزمن ، وعلى حين غرة ، وحيث يتابع التربوي وولي الامر والحريص من الطلبة ما يجري ويستجد من شأن مدرستهم ، صدر أمر بتعيين الفاشل الساعي لسدة الإدارة ، فوقف الحريص مذهولاً من غرابة القرار ، بين مصدق ومكذب ومؤكد ونافي ، وحيث الحيص بيص ، باشر الفاشل مهام عمله ، محاط بكل الفاشلين المنسيين المركونين من الكادر التدريسي ،شريف ناصحوراح الراسب والمعاقب ومن ضربت عليه الذلة من الطلبة يلتف حول الادارة الجديدة ، هاتفاً مهللاً مسانداً رافعاً القبعة للتحية ، وبالقطع ليس من غرابة في ذلك ، فالناس على دين ملوكهم ، فهل من منطق أن يحيط المتفوق المتميز بالقائد الفاشل ؟ وهل من فاشل ينصر شريف ناصح ؟ وبعد انجلاء الغبرة ، واستتباب الامر ، واستئناف الدرس ، وركون الفاشل الى الهدوء ، راحت الحقائق تظهر ، والرؤى تنجلي ، وخيوط المؤامرة تتضح ، والمخفي من المُغيب ينكشف ، ولكن بعد خراب المدرسة ، فقد وقف معتلي الادارة الجديدة وراء المؤامرة ، مدفوعاً مسدداً مدعوماً من إدارات المدارس الأخرى ، حسداً وبغضاً ومكراً بالمدرسة ، واللافت أن المعتلي الجديد وبعد استتباب الأمر لادارته ، راح يُطيح بمن تبقى من الكادر البائد ، ويهب ويهدي موجودات المدرسة ، يعاقب المتميز من الطلبة ، ويُكافئ ويُقرب من كثرت مشاكله وصد عنه المتميز والمهذب وابن الاسرة ، بل راح يتشبث بالادارة بالرغم من انتهاء تكليفه ، واستنفاذ مدة إدارته ، وتقديم بديل عنه لادارة المدرسة ، واللافت أن الفاشل عاد لإعتماد آليات اعتلائه الادارة أول مرة ، ولكن هذه الجولة بقصد الاستمرار ، لاعتقاده الجازم أنها كفيلة بديمومة منصبه ، وهو على صواب ، فقد أمنت له ولغيره اعتلاء السدة ، فالبقاء اليوم للأسوء ، ويبدو أن القول المأثور أن البقاء للاصلح صار من الماضي ، فالمتتبع سيرة معتلي السدة بدرجاتها ، يجده إما فاسد أو فاشل أو راشي أو مزور ، أما من خرق القاعدة ، وخالف المبدأ ، واعتلى السدة بجدارة وكفاءة ، تجد كل الالسن ممتدة عليه ، وكل الوشيات موجهة صوبه ، وكل الاقلام المأجورة تهاجمه ، وتتفق وسائل الاعلام جاهدة لالصاق التهم به بغير حق ، حتى يرفع الراية ، ويستسلم للامر الواقع ، ويُساير المنطق بمغادرته المنصب . ويقيناً أن سيناريو مديرينا المتميز والفاشل ، وشاهد مدرستنا الشهيدة ، ينطبق على كثير من الاوطان التي راحت ضحية مؤامرة خارجية ، وتناحر داخلي ، وفتنة دُبرت سيناريوهاتها بليل ، ونفذ اجنداتها ومخططاتها من قبل عملاء مأجورين ممن شح عندهم الجاه ، وغاب عنهم التاريخ ، وفارقهم العلم ونزر عندهم المال ، فأمثال هؤلاء خير من يُنفذ الأجندات ، ويطبق المخططات ويتآمر على الاوطان ، فما تفكك وطن ، ولا تشرذم شعب ، ولا تجزء موحد ، ولا تقزم كبير ، الا وراءه عميل . على حكماء الأوطان ، ووطني القوم ، وشرفاء القادة ، ممن تصدوا ووقفوا وحملوا الأمانة ، أينما كانوا وفي أي ظرف وزمان تصدوا ، تحمل مسؤولية التصدي لمخططات العملاء المأجورين ، ممن غاب عنهم التاريخ ، فراح عندهم صفحات ماضية ، وتشبثوا بالحاضر من أجل مال أو وعد أو منصب ، وغادروا المستقبل ، بلحاظ أن الزمن عندهم حاضر غاب عنه الماضي والمستقبل ، فالخطر الأكبر على الأوطان عملاء الوطن ممن حملوا جنسيته ظلماً وعدواناً ، لا تلك الأقوى تسليحاً والأكثر عدة وعتاد ، فأعداء الوطن من الدول واضح مكشوف قابل للمواجهة ولو بغير سلاح ، فما تفكك الاتحاد السوفيتي بسلاح امريكي ، أو نووي فرنسي ، أو ذري بريطاني ، لكن كرباتشوف السوفيت هو من وقف وراء إنفاذ المخطط الذي دُبر بأروقة أممية سرية .