مقالات

اختراعات وبائية

الكاتب : سمير عطاالله

ثمة مثل قديم مثل الصين يقول إن الصينيين لا يمكنهم أن يفعلوا أي شيء إلا بامتياز. وقد طبق هذا المثل بدرجات مختلفة عبر العصور، ومن خلال المحن والطوارئ والحروب والمجاعات التي ضربت البلاد. ويبدو الآن أن «كورونا» أصعب محنها المعاصرة، فالبلد الذي يقف مباشرة خلف الولايات المتحدة، تقريبا في كل شيء، يرى نفسه متعثرا، مرتعدا، وقليل الحيلة، في مواجهة عدوى مربكة وقاتلة، من تلك الأوبئة التي هزت البشرية عبر التاريخ.
في العصور الماضية، كانت وسائل الطب قليلة، والعلاجات صعبة وغير فعالة، ولذلك كان يصار إلى عزل المرضى المصابين قدر الإمكان، خصوصا مرضى البرص. وحتى في أواخر القرن العشرين، ثارت ضجة كبيرة عندما أقدم الزعيم الروماني تشاوشيسكو على عزل الضحايا في أماكن ريفية بعيدة. وطرح ذلك السؤال الذي يطرح الآن مع اختلاف جميع الظروف: هل من الإنسانية معاملة البشر كأنهم عدوى قاتلة؟ ولا جواب طبعا لا أمس ولا الآن. فأيهما أفضل: حصر عدد الإصابات مع إظهار نوع من القسوة العاطفية أم العكس؟ في حالة الذعر هذه ارتبكت الصين مثلها مثل أي دولة صغيرة أو متخلفة. هذه هي طبيعة المباغتة التي تعايشت معها البشرية في الحروب أو في الأمراض، وترفض الشعوب أن تصدق أن الطبيعة ترمي الإنسان عن قصد بمثل هذه المحن. لذلك يقال دوما في المراحل الأولى أنها مفتعلة. وغالبا ما يكون المتهم هو الولايات المتحدة بسبب تقدّمها العلمي. فعندما ظهر مرض «الإيدز» قال خصوم أميركا، منهم معمر القذافي، إنه اختراع أميركي من أجل إبادة الأفارقة. لكن من بديهيات مثل هذه الأمراض أنه لا يمكن حصرها حتى خلف سور الصين العظيم. فقد فتك «الإيدز» بالأميركيين أكثر مما فتك بالأفارقة.
الآن يقال إن «كورونا» اختراع أميركي من أجل تدمير اقتصاد الصين. وفي المبدأ يبدو ذلك معقولا، ولو غير مقبول. فالحرب الاقتصادية بين الفريقين قد تحتمل هذا السقوط الأخلاقي. لكن بعد أسابيع قليلة تبيّن للجميع أن «كورونا» تهديد للاقتصاد العالمي برمته. والخسائر المادية بسببها تبرز مثل فقاعات البحار الساخنة، ساعة هنا وساعة هناك، ومن دون التوصل إلى أي سبب محدد. فلماذا إيران دون سواها، ولماذا إيطاليا دون غيرها من أوروبا، وماذا يحصن أميركا الجنوبية حتى الآن من أي إصابة.
ينقسم هذا العالم العجيب من أجل بعوضة، ويتحد من أجل بعوضة. والذين رأوا ذات يوم أن العولمة شيء أميركي تماما، كالذين يعتقدون أن «كورونا» اختراع أميركي أيضا. وكما كان ينقل الطعام إلى المصابين في الماضي، ويوضع أمام منازلهم من دون أي مصافحة، أو حتى أن يرى المصاب الرجل الذي يساعده، توضع الآن الوجبات على أبواب الصينيين عبر التطبيقات الذكية. تلك ظاهرة أخرى، الصينيون لا يخترعون، لكنهم يطورون الاختراع: «هواوي» ينظم لهم الحياة في هذا الفلتان المخيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى