احتجاجات أمريكا المستمرة.. جزرة العقوبات لم تشبع عصا العصيان
تواصلت المظاهرات لليوم التاسع على التوالي بالولايات المتحدة على مقتل جورج فلويد صاحب البشرة السمراء على يد شرطي بولاية مينيسوتا، في حادث تسبب في موجة غضب عارمة، لم تطفئها قرارات بتغليظ العقوبة وتوسيع دائرة الاتهام في الحادث.
مظاهرات استمرت مع عودة الحديث مرة أخرى عن تدخل الجيش لفرض النظام في المدن التي شهدت حالة من الفلتان جراء أعمال الشغب التي صاحبت المظاهرات، ليظهر الجدل مرة أخرى بشأن “مرسوم حالة العصيان” الذي يتيح للرئيس الأمريكي نشر القوات المسلحة في الشارع.
فمن أروقة النيابة العامة في الولايات المتحدة، خرجت أحدث التطورات بشأن رجال الشرطة الأربعة الذين أوقفوا فلويد في مينيابوليس والذي حملت أنباء سارة للمحتجين بعدما أصبحوا ملاحقين قضائيا بينما أعيد توصيف موته بـ”الجريمة” كما كان يطالب مئات الآلاف من الأمريكيين الذين يتظاهرون منذ الأسبوع الماضي.
وكان ديريك شوفن الشرطي الذي وضع ركبته لأكثر من ثماني دقائق على رقبة الرجل الأربعيني في 25 مايو الماضي متسببا بموته اختناقا، اتهم في الأول بالقتل غير العمد.
وأعيدت صياغة الاتهامات الموجهة إليه لتصبح “القتل عن غير سابق تصميم”، وهي أخطر ويعاقب عليها القانون بالسجن أربعين عاما.
ويلاحق الشرطيون الثلاثة الآخرون بتهمة التواطؤ، وجميعهم موقوفون ما يثير ارتياح عائلة فلويد، كما كانت هذه الملاحقات في صلب مطالب المتظاهرين الذين يعبرون عن غضبهم في جميع أنحاء البلاد.
الشرطة محور الاهتمام
ورأى حاكم ولاية مينيسوتا أن اتهام الشرطيين الأربعة يشكل فرصة “لمعالجة مشكلة العنصرية المؤسسية والإفلات من العقاب” اللذين أديا إلى موت فلويد.
وأضاف أنها “على الأرجح فرصتنا الأخيرة لمعالجة الأمر كدولة وكأمة”.
من جهته، رحب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما “بتغيير العقلية” الذي يمكن أن يؤدي إلى إصلاحات على المستوى الوطني، حسب رأيه.
أوباما قال في لقاء عبر الفيديو مع ناشطين “تذكروا أن هذا البلد تأسس على حركة احتجاج كان اسمها الثورة الأمريكية”.
وفي شأن غير بعيد، أعلنت شرطة نيويورك أن أحد أفرادها أصيب بالرصاص فيما طُعن آخر في بروكلين قبل منتصف الليلة الماضية، ولم تكشف عن حالة الاثنين أو اسميهما.
لكن وسائل إعلام قالت إن الإصابات ليست خطيرة حيث أصيب كلاهما بالقرب من شارعي تشيرتش وفلاتبوش في بروكلين.
وذكرت صحيفة نيويورك بوست إن المشتبه به أصيب أيضا بالرصاص، فيما اعتقل شخصا آخر في مكان الحادث الذي يأتي وسط احتجاجات حاشدة وأعمال شغب في نيويورك بسبب مقتل فلويد.
إجراءات غير كافية
ما سبق من قرارات رآها كثيرون تلبي رغبات المتظاهرين، غير أنها لم تمنع اندلاع مظاهرات في عشرات المدن الأمريكية، عندما خرج الآلاف مرة أخرى إلى الشوارع، متحدين حظر التجول مجددا، ما أسفر عن توقيف عدد منهم.
ففي واشنطن، تم نشر قوة كبيرة من الشرطة مرة أخرى لمنع الوصول إلى البيت الأبيض، وإن كانت السلطات ذكرت أنها تتوقع تجمعات سلمية.
وكان تم مساء الاثنين إخلاء محيط البيت الأبيض بالقوة للسماح لدونالد ترامب بالخروج في الشارع والتقاط صورة له حاملا الكتاب المقدس أمام الكنيسة الصغيرة التي تقع مقابل مقر الرئاسة.
ونفى ترامب الذي أشاد بقوة النظام و”سلطته” منذ بداية هذه الأزمة، الأربعاء معلومات أفادت أنه نقل بسرعة مساء الجمعة من الجهاز السري إلى مخبأ محصن خلال مظاهرة أمام مقره الرسمي.
جاء ذلك في الوقت الذي دافع فيه لبيت الأبيض بشدة عن قيام ترامب بالخروج والوقوف أمام كنيسة بالقرب من مقر الرئاسة حاملا الكتاب المقدس بيده بعد تفريق متظاهرين فجأة بالغاز المسيل للدموع.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني إن “الرئيس أراد توجيه رسالة قوية”، مؤكدة أنه سار بذلك على خطى شخصيات عظيمة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل.
وأشارت أيضا إلى قيام الرئيس جورج بوش الابن بشكل رمزي بإلقاء الكرة في بداية أول مبارات للبيسبول في ملعب يانكي في نيويورك بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر 2001.
وأدان العديد من المسؤولين السياسيين والدينيين تفريق المتظاهرين بعنف للسماح بتصوير الرئيس أمام الكنيسة، وأعربوا عن أسفهم لطريقة رفع ترامب الكتاب المقدس أمام المصورين.
وفي لوس أنجلوس، وافق رئيس البلدية إيريك جارسيتي على أحد المطالب الرئيسية لحركة “حياة السود تهم” التي تنظم الاحتجاجات وهو تخفيض ميزانية الشرطة للاستثمار في البرامج الاجتماعية والتعليمية للمجتمعات السوداء.
وتخلى رئيس البلدية الديمقراطي عن زيادة ميزانية الشرطة العام المقبل وقرر تخصيص 250 مليون دولار لمثل هذه البرامج.
مرسوم العصيان
ومع تواصل المظاهرات التي رافقتها في بعض الأحيان أعمال نهب وشغب، هدد ترامب بنشر الجيش “لتسوية المشكلة بسرعة”، في تصريحات دانتها المعارضة على الفور قبل أن يتراجع عن هذا الأمر.
لكن كان الجديد في هذا الأمر والذي أظهر اختلافا واضحا عن موقف ترامب، ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر شخصيا أمس عندما قال إنه يعارض فكرة نشر الجنود في المدن الكبيرة، مضيفا: “لا أؤيد مرسوم حالة العصيان” الذي يسمح بهذا الإجراء.
من جهته، اتهم وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس الذي قدم استقالته من إدارة ترامب في وقت سابق، الرئيس بـ”تقسيم” أمريكا. وكتب الجنرال السابق في مشاة البحرية الأمريكية أن “ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأمريكيين، بل إنه حتّى لا يتظاهر بأنّه يحاول فعل ذلك”.
ورد ترامب على الفور في تغريدة على تويتر، واصفا ماتيس بأنه “الجنرال الذي لقي أكبر تقدير مبالغ فيه في العالم”.
وكتب ترامب: “ربما كان الشيء الوحيد المشترك بيننا وبين (الرئيس السابق) باراك أوباما هو أننا تشرفنا بطرد جيم ماتيس الجنرال الذي لقي أكبر تقدير مبالغ فيه في العالم”.
ويواجه ترامب عصيانا مدنيا هو الأخطر في ولايته مع احتجاج آلاف الأمريكيين على العنف الذي تمارسه الشرطة والعنصرية والتفاوت الاجتماعي تضاف إليها أزمة انتشار فيروس كورونا.
وفُرض حظر التجول في عشرات المدن الأمريكية وبمستويات لم تشهدها البلاد منذ أعمال الشغب التي أعقبت اغتيال مارتن لوثر كينج عام 1968، وانتشر الحرس الوطني في 23 ولاية والعاصمة واشنطن.
كما قامت الشرطة في الأيام الماضية باعتقال نحو عشرة آلاف شخص في جميع أنحاء البلاد حسب تقديرات نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية.
ولفظ فلويد أنفاسه بعد أن بقي شرطي أبيض جاثما بركبته على رقبته لما يقرب من تسع دقائق يوم 25 مايو في مدينة مينيابوليس ليشعل ذلك من جديد قضية وحشية الشرطة ضد الأمريكيين من أصل أفريقي قبل خمسة أشهر من انتخابات الرئاسة.
متابعة / الأولى نيوز