إنحراف النظام البرلماني والحرب الأهلية
احمد طلال عبد الحميد البدري
لاشك ان النظام السياسي الذي يعتنقه المشرع الدستوري يلعب دوراً خطيراً في استقرار الدولة ، وخصوصاً بعد فترات الحكم الشمولية الطويلة او هزائم الحروب او الانهيارات الاقتصادية ، وقد تبنى الدستور العراقي لسنة 2005 في المادة (1) منه النظام البرلماني ، الا ان من خلال امعان النظر في الاحكام الدستورية المتعلقه بتطبيق هذا النظام والتي حورت لتلائم الوضع الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق حسب تبرير واضعي الدستور افضت الى مشاكل وازمات دستورية خطيرة ولم ينجح الدستور بأحتوائها، فولد النظام البرلماني مسخاً اذا جاز التعبير عن النظام البرلماني الكلاسيكي الذي نشأ وترعع في انكلترا ، وهذا النظام لم يأت من فراغ ، وانما هو وليد مخاض عسير وصراع طويل بين السلطة المطلقة للملك وبين النبلاء ورجال الدين والمحاربين من جهة وبين الملك والطبقات البرجوازية والفلاحية الفقيرة دام قرابة 500 سنة بين مد وجذب ليستقر هذا النظام بشكله الحالي ، وان العلامات الابرز لهذا النظام امست تشكل خصائص جوهرية له وغيابها او تحريفها يغير من جوهر النظام البرلماني ، واهم هذه الخصائص هي ثنائية السلطة التنفيذية ، والتعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لمنع طغيان سلطة على سلطة اخرى وفقاً للمبدأ المعروف ( السلطة توقف السلطة) من خلال وجود وسائل للرقابة والتأثير على بعضهما البعض بما يححق التوازن بين السلطتين.ومن ابرز وسائل التأثير ( سحب الثقة من الحكومة ) و( حل البرلمان ) ، وان اي تحريف او توظيف خاطىء لوسائل التأثير يؤدي الى طغيان او هيمنه سلطة على اخرى ، ونشوء حكومات ائتلافية ضعيفة لاتستند الى احزاب او كتل سياسية قوية وهذا يؤدي بالنتيجة الى عدم الاستقرار الوزاري وضعف الوزارات الائتلافية ، كما ان من ابرز خصائص هذا النظام عدم مسؤولية رئيس الدولة عن اعمال الحكومة واضطلاع الوزارة بمباشرة السلطات الفعلية في الدولة ورسم السياسات العامة للحكومة وتنفيذها ، كما يكون رئيس الدولة ملزماً بتكليف زعيم حزب الاغلبية في البرلمان بتشكيل الكابينه وهذا يمثل جوهر الديمقراطية ، وبناءاً على ما تقدم فأن النظام البرلماني لايمكن ان يوجد الا في الاطار الديمقراطي وهذا يحتاج لرضا وموافقة الافراد .رقي سياسي فالنظام البرلماني هو نظام سياسي لشعوب بلغت من الرقي السياسي والاجتماعي والاقتصادي مبلغاً حتى يزدهر وان نقله مع تحريف مبادئه بحجة توظيفها مع واقع البلد قد يؤدي بالنهاية الى الانهيار او الحرب الاهليه بسبب الصراع على السلطة التي لم يضمن الدستور نقلها سليما بما يكفي ، وهذا ماتناولته الباحثة “باربرا أُف والتر” استاذة العلاقات الدولية في كلية السياسة والاستراتيجيات العالمية بجامعة كاليفورنيا، بكتابها الصادر بداية عام 2022 والذي يحمل عنوان “كيف تبدأ الحروب الأهلية – كيف يمكن ايقافها”. حيث ترى الباحثة ( … أن الأنظمة الاستبدادية والديمقراطيات السليمة محصنة إلى حد كبير من الحرب الأهلية، فيما تكون عرضة للخطر البلدان الواقعة في الوسط، أي الدول التي حاولت أن تنتقل من حالة السلطوية إلى الديمقراطية، تلك التي عندما يكون للمواطنين نوع من الديمقراطية متمثلة في حق التصويت، إلا أنهم يكونون تحت قيادات تتمتع بسلطات واسعة وبعيدة عن المساءلة، فأنتجت نوعاً من الصراع الاجتماعي يقود إلى الحرب الأهلية ومن ثم العودة إلى السلطوية. وهو ما يحدث اليوم في العديد من دول العالم ومنها المنطقة العربية…) وخرجت هذه الدراسات باثنين وثلاثين مؤشراً يمكن أن تقود (إن وجد معظمها في بلدٍ ما) إلى حرب أهلية، ومنها: الفقر، الإثنية العرقية أو المذهبية، حجم السكان،عدم المساواة، الفساد،غياب العدالة،التهميش لقطاع من السكان ، ان انحراف النظام البرلماني في دستور 2005 ولد حالة من عدم المساواة واللاعدالة والطائفية والاثنية في حين ان هذا الدستور كتب اصلاً على اشلاء وتضحيات ومعانات المظلومين والمقهورين من ابناء هذا الشعب العريق ، وحتى يكون هذا الدستور ضامناً لوحدة البلاد كما اريد له ان يكون لابد من اعادة النظر فيه وتصحيح منحنى الانحراف البرلماني الذي وصل لنهايات خطيرة ، تنذر بأنهيار هذه التجربة الديمقراطية ، ففقد اثبتت التجارب الدولية ومنذ وقت طويل ، ان الكابينات الوزارية التي تستند الى اغلبية برلمانية قوية تمتاز بالاستقرار والفاعلية وطول العمر، كما ان التجربة في العراق اثبتت غياب المسؤولية السياسية فلا يمكن للسلطة التنفيذيه حل البرلمان ، لان حله ذاتياً خلافاً لمبادىء النظام البرلماني ، كما لايمكن للبرلمان سحب الثقه من الحكومة وان كان لها ذلك بموجب دستور 2005 لان هذه الوزارة تشكل ممثلية الاحزاب في الحكومة الائتلافية التي تتجاذبها مصالح هذه الاحزاب ، مع غياب قانون محاسبة رئيس واعضاء السلطة التنفيذية ، الذي لن يرى النور الا بعد تصحيح منحنى الانحراف البرلماني ، ومقابل كل ذلك من المؤكد لن تكون هنالك معارضة فعالة لان الكل اعضاء في البرلمان والكل اعضاء في الحكومة ….والله ولي التوفيق