إمسحوا أيديكم بالحائط
إمسحوا أيديكم بالحائط – جليل وادي
مع ان قلق المستقبل هاجس يومي لكل العراقيين الذين يجهلون المرفأ الذي سيرسو عنده مركبهم ، وما ستؤول اليه حياة أبنائهم ، فما عاد الآباء مكترثين كثيرا لسنوات أعمارهم القادمة ، فالأفق المنظور يبدو قاتما ، وما مضى من حياتهم أكلته الأزمات والحسرات ، ومن المؤسف أن تكون حياة الأبناء كالوحل الذي كابدوه مذ أبصرت عيونهم الدنيا . لسنا ممن يشيعون اليأس ، ولا نريد له التسلل للنفوس أيام المحن والشدائد ، لكن الترويج للأمل من دون معطى في الواقع كوعود أصحاب الغد المشرق الذي انتهت بنا أيامه الى خراب العراق ، وتحويله الى كدس من الأنقاض ، واذا بالإحباط يخيم علينا كليل بهيم ، ما عبد الطريق لاحتلال عاصمة التاريخ وسط تصفيق الجاهلين وبهجة المتوهمين .تأملنا مليا بسياسات من تصدر المشهد على مدى ما مضى الذي يعد طويلا بحساب عصرنا المتسارع الخطى ، فلم نر للحاضر هوية ولا للمستقبل صورة ، ومازال الارتجال نهجا والتخبط ديدنا ، وهذا لا يبني للدول صروحا ولا للمجتمعات ارتقاء .يتظاهر الناس احتجاجا على حقوق انتهكت ، ودولة قاربت أن تكون مارقة بحسب وصفهم ، فيستجيبون للاحتجاج بإجراءات خجولة لا تعدّل مسارا ، ولا تعيد وزنا لبلاد يتدخل فيها كل من أراد لها أن تظل حبيسة التخلف والفوضى ، ولعل تجديد العقود لمحاضرين بادروا بتقديم خدماتهم مجانا يوم لم تكن الحكومة قادرة على دفع رواتب موظفيها ، آخر تلك الاجراءات ، بعدما تبادلت الجهات المعنية الكرة ، كل ترميها في ملعب الاخرى من وزارتي التربية والمالية الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء الذي نفض يديه في بداية الأمر من مطالب المحتجين بالقول : ان تجديد العقود ليس من صلاحياته .يا جماعة : الديمقراطية لا تعني ترك الحبل على الغارب لهذه الوزارة او تلك ، وان العمل لابد أن تنتظمه مركزية معينة ، ويفترض بمجلس الوزراء أن يكون حاسما في هموم الناس العامة ، فخدمتهم اولى مهامه ودواعي وجوده ، فلِمَ التهرب من المسؤولية ؟، فواقع التربية بحاجة الى أضعاف أعدادهم ، نعرف ان الامور مرتبطة بالتخصيصات المالية ، وليس من مال لتغطية مختلف فعاليات الدولة سوى المتحّصل من مبيعات النفط ، بمعنى ان حياتنا مرهونة بأسواق النفط وأسعارها هبوطا وارتفاعا ، فأين النجاح في الادارة ؟ النجاح والابداع يُقاس بتقليل الاعتماد على مبيعات النفط ، أي بتنويع مصادر الدخل ، وذلك لن يكون الا ببديهية تفعيل القطاعات الأخرى ، وهي قطاعات ثرية جدا تغنينا عن لعنة النفط ، فالزراعة التي وصفت بالنفط الدائم لوحدها كافية لتوفير عيش رغيد .فاذا كنا حائرين كيف نجد حلا للمحاضرين الحاليين ، فماذا سنفعل للخريجين الذين قد يصل عددهم الى الملايين في السنوات المقبلة ، فضلا عن غير المعينين من خريجي السنوات الماضية ؟ ويدرك الجميع ان الدافع الذي يقف وراء استمرار الطلبة بالدراسة الجامعية هو الأمل بوظيفة حكومية ، وليس لكسب العلم والمعرفة ، فلا قيمة تذكر لهذا الدافع لديهم . وفي غياب القطاع الخاص ستزداد المطالب بالتعيين ، وتتعاظم ككرة الثلج سنة تلو اخرى حتى تبلغ مستوى لن يكون بمقدور الحكومات استيعابها اذا ما ظلت الحال هكذا ، فتتمظهر باحتجاجات أكبر وأعقد مما فات ، وقد يصل مداها الى تهديد النظام السياسي برمته ، وعند ذاك لن ينفعها القول : ان التعليم لأغراض التنوير ، وانها غير مسؤولة عن تعيينهم ، فمثل هذا الكلام مستفز ، ولن يجدي نفعا لطاقات شبابية أُغلقت بوجوههم أبواب الرزق ، وليس من الأخلاق تحميلهم أخطاء السياسية وغياب التخطيط وصراع المصالح ، فالحكومات مسؤولة عن توفير فرص العمل ، أما كيف ، فذلك ما يجب أن تفكر به ، وان كانت عاجزة بفعل الفاسدين والمتنفذين والمرتبطين بمن تعرفون ، فعليها ألا تقبل بمسؤولية ادارة الدولة ، أجراس الانذار تُسمع ، وآخرها جرس وزير المالية بتسريح الموظفين بعد عشر سنوات ، ولا نعلم لمن دق جرسه ، للدولة العميقة ام الدولة الطافية ام يريد القول للشباب : امسحوا أيديكم بالحائط .