إذا لم يكن بينهم الذي في بالي
د. فاتح عبدالسلام
هناك عملية تحقيق كبيرة في قضايا فساد في بغداد، لا تزال الحكومة تتكتم على بعض الاسماء وجميع الشهادات، فيما ينتعش سوق التسريبات ليكشف عن حقائق مذهلة، من دون أن يكون أي شيء رسمياً أو ربّما حقيقياً. لكن الواقعة تجري فعلاً خلف سياج التحقيقات.المواطن العراقي البسيط، يرى صاحبه في الشارع، فيسأله: هل صحيح ما نسمع حول القبض على فاسدين ؟ فيشيح الاول بوجهه، ليدركه صاحبه باستفهام استنكاري: ألا تصدق انَّ هناك اعتقالات وتحقيقات في ملفات فساد؟ فيقول الأول: إنْ لم يكن الذي في بالي بين المعتقلين والخاضعين للتحقيق فلن أصدق أنَّ ما يجري له علاقة من قريب أو بعيد في الفساد والنزاهة .هذه الاجابة ليست خاصة بشخص دون آخر، فقد أصبحت عناوين الفساد أثواباً ترتديها وجوه لا تزال تشغل الشاشات والساحات والتصريحات واللقاءات. وبات كل عراقي على قناعة انّ افلات شخص واحد من تحقيقات او محاكمات الفساد يطعن في شرعية ما يجري كله. ولا يقبل أي عراقي بحسب ما نسمع ونرى ونتحاور ان يكون هناك تدرج في اعتقال المطلوبين في السرقات والنهب وافقار الدولة، حتى لو فرغت عناوين سياسية كاملة من وجوهها ، فالاصل هو انَّ الشعب العراقي، بعد تجارب مريرة عمرها ثماني عشرة سنة، لم يعد معنياً بأي عنوان سياسي مهما لمع اسمه، ولن يأسف على أحد من الفاسدين لأي سبب كان، حتى لو من باب الرحمة والانسانية، لأنهم لم يرحموا الملايين يوماً.لذلك تكون المسؤولية كبيرة في عدم تحويل ملفات الفساد الى ساحة تصفيات يُشَم منها رائحة الخصوم في الانتخابات المقبلة، أو أن تكون واجهة لمرحلة للعبور بمركب اثقل وزناً وأكبر سَعة لفساد من نوع آخر ، يتغطى بقرارات، كما تغطى فساد السنوات الثماني عشرة بعناوين دستورية أو جهادية او سياسية أو تنموية.هذا امتحان لبداية جديدة ولعلها الاخيرة، من أجل أن يتجه العراق نحو سكة صحيحة قبل أن يستغرق في الانحدار الى تلك الهاوية التي لن ينجو منها من يظن أنه ناجٍ.