أي مستقبل لبلد مستباح
علي ضياء الدين
لم يعد العراقيون يتطلعون الى المستقبل. لقد أسدلوا الستار عليه ونسوه لأنهم مشغولون بالمصائب النازلة على رؤوسهم كالمطارق كل يوم من أيام حياتهم الكئيبة والحزينة والمحفوفة بالمخاطر.العراقيون اليوم يحنون الى الماضي ليس لأن الماضي أجمل وأرق وأنظف بل لأنه فقط اقل مرارة. ترى ما الذي يرسم البسمة على شفاههم؟ ما الذي يطمئنهم على أن أولادهم سيكونون في أمان؟ وعلى أن وطنهم سيحتفظ باسمه وبجغرافيته؟ لا شيء أبداً. هذا بلد مستباح للجميع. بيت بلا أبواب. جسد يعاني اضمحلال الروح. قلب يموت فيه الضمير. ومنظمومة أخلاقية تترنح وتتداعى. أعمى البصيرة فقط من لا يرى أو يلمس حقائق الفقر والمرض والأمية تتصاعد وتتسع وتتوحش أكثر بينما تستولي قلة قليلة من ضباع البشر على ثروات البلاد وكما لو أنها ميراث عائلي آل اليهم بقوة الشرع والقانون. العراقي يعيش في قلب المأساة التي تنخر في حياته اليومية فكيف يمكن له أن يتحدث عن مستقبل؟ هل هناك بصيص من أمل يلوح في الأفق أمامه وهو يشاهد من على وسائل الاعلام بين حين وحين واحداً من سياسيي الصدفة ممن قذفت بهم الارادات الأجنبية ليكون في قلب الحياة السياسية والأمنية والمالية والادارية لهذا البلد وهو يعترف بكل وقاحة وصلافة وتحد واستهتار بأنه قد ارتشى وتلقى عمولات وعقد صفقات ومد يده الى المال العام وتلاعب بالأمانة ثم وأخيراً يفلت بجلده وكأن لا جديد تحت الشمس وكل شيء على مايرام؟ انه يعود أخيراً الى موطنه القلبي ويلتحق بأولاده وزوجته ويطمئنهم أن مستقبلهم ومستقبل من يأتي بعدهم بخير بينما أفراد هذا الشعب الذين يعيشون على أرضه ويتقلبون على جمره يتضورون جوعاً أو يبحثون في القمامة ؟ أي مستقبل ينتظر هذا البلد عندما يزوّر مسؤولون كبار شهادات دراسية على مرأى وعلم الجميع ثم لا أحد في هذا النظام المتهالك يجرؤ على محاسبتهم؟اي مستقبل موعودون نحن به مع نظام قائم على التحايل والتوافقات المصلحية والتهريب واحتكار الوظائف والمنافع كبيرها وصغيرها وبيعها بالدولار والسيطرة بالقوة على ايرادات الدولة؟ هل ثمة مستقبل واعد لهذا الشعب مع كل هذا النهب والتخريب والفساد مع توفير الغطاء والحماية لمرتكبي هذه الجرائم في سياسة واضحة تشجع على الافلات من العقاب وعلى اطلاق اليد وتوفير الاحساس بالأمان من كل ملاحقة. يحق للعراقيين أن يحلموا بغد أفضل فقط عندما يتخلصون من هذه الكائنات المتخمة بالحقد والجهل وخيانة الأمانة والشره اللامحدود للرزق الحرام من الطارئين على السياسة وممن هم سقط متاع.