أيّ سيناريو:الأفغاني أم التونسي…أم العراقي؟
د. فاتح عبدالسلام
كلما تقع احداث جديدة ومثيرة في بلد بالعالم يعاني من ازمة سياسية كما في أفغانستان وتونس، نجد كثيراً من العراقيين، يتحادثون عن استعارة ما يطلقون عليه السيناريو الافغاني او السيناريو التونسي، وإمكانية ان يحصل احدهما في العراق بحثا عن خلاص من ازماته المستفحلة التي جعلت الحياة فيه لا تنتسب الى معطيات بلد في أعلى المراتب في منظمة أوبك، وتلقى الدعم والرعاية من تحالف دولي عظيم بقيادة الولايات المتحدة منذ ثماني عشرة سنة. في فترات سابقة انبثق الحديث عن انقلاب القصر، وهو كلام خيالي حيث لا يوجد قصر خاص بالحكم في مكان محدد ولا يوجد رأس محدد للحاكم كما كان، والقصور كثيرة والرؤوس كذلك، لكنها تتبع اقطاعيات سياسية ومسلحة ليس لاحد إمكانية السيطرة عليها إلا مَن أطلقها وسمح لها بالوجود. وكذلك هناك حديث عن الانقلاب العسكري وهو كلام خيالي أيضاً، ذلك انّ تعريف “العسكري” في البلد غير مستقر وملتبس ويواجه صعوبة بالغة. غير انّ الطريف هو انَّ دولاً كثيرة في العالم الثالث باتت تخشى على نفسها من ان تقع في السيناريو العراقي الذي ضربت به الامثال منذ سنوات بعيدة. فعَن أي سيناريو تتحدثون أو تتمنون؟ العراقيون لا يزالون يستعيرون مصطلحات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وهم يكابدون اليوم العصيب تلوَ الآخر من اجل اجتياز هذا المخاض للخروج الى حافة الأمان والعيش الكريم . كلام العراقيين في اغلب الأحيان هو كلام الغرقى واليائسين من النجاة الا بمعجزة، وزمن المعجزات انتهى من دون رجعة. اليوم دخلت الاتفاقية الامريكية العراقية الجديدة عنصراً جديداً في معترك الحياة العامة، وتوالت ردود الأفعال عنها من زعامات سياسية يبدو، انهم سمعوا بها ولم يقرأوا تفاصيلها، او انهم في مزاج لم يعد يؤهلهم أن يعودوا في كل مرة الى المربع الأول. لابدّ من المضي الى امام بحل ذي “طبيعة دولية” بعد ان رأينا الجوقة السياسية كيف لعبت وتاجرت بمصطلحات السيادة الوطنية والاستقرار والعدالة ووحدة البلد، وكم نهراً من الدماء جرى، وكم بيتاً في اليُتم غرق، وكم عائلة في الفقر والعوز والتفسخ انزلقت. المشكلة الأهم هي انّ العالم لم يعد مستعداً لوجع رأس يأتيه من العراق بين كل عقد وعقد، أو كل عقدين من الزمن .