أين قوتنا الناعمة؟
فاتح عبدالسلام
لمناسبة بلوغها ثمانية وثمانين عاماً، احتفى خمسة وثلاثون كاتباً وباحثاً بفيروز بوصفها ظاهرة ، في كتاب كبير من 053 صفحة ، حمل عنوان « وطن اسمه فيروز» ، وصدر عن مؤسسة الفكر العربي، ذات الوقف السعودي ومقرها بيروت
. وتوافر الكتاب على معالجات ورؤى في الظاهرة الفيروزية الرحبانية من زوايا مختلفة بحسب تخصصات المؤلفين.
الكتاب يكرس انّ فيروز هي قوة لبنان الناعمة، التي كانت وجهة مباشرة للرئيس الفرنسي ماكرون حين زار بيروت في اعقاب مصيبتها في انفجار المرفأ، في الوقت الذي كان اجتماعه الى السياسيين عقيما ومن دون نتيجة حتى اللحظة
. الكتاب ليس موضوعنا هنا، وانما هو مناسبة ومدخل لتذكير اية حكومة عراقية بأهمية العناية بالرموز الفكرية والثقافية والفنية، وعدم الاكتفاء بأسماء محددة معدودة جرى التوافق عليها قبل سبعين عاما ، وهي أيضا لم تنل الاهتمام المستحق، وانما البحث دائما عن تجليات الابداع العراقي وما يفرزه في مجالات الطب والهندسة والادب والفكر والفن، في ميزان العمق الحيوي للبلد الذي قاسى من ويلات السياسة والحروب والانقسامات طوال عقود كثيرة، فضلا عن انه البلد الوحيد في الكوكب الذي جرى احتلاله مباشرة من دولة أخرى وبمساعدة دول جواره وكثير من دول العالم في وليمة دموية لم يحدث مثلها منذ انتهاء زمن الاحتلالات مع الحرب العالمية الثانية.المفكرون والمبدعون في العراق أناس فقراء في الاغلب، وفي دول أخرى هم من ذوي المستويات المعيشية العالية، فضلاً عن الحياة الراقية التي يتمتعون بها في العالم الغربي، وتلك مسألة أخرى. اذا كان الزمن الذي عاش فيه الشاعر الرائد بدر شاكر السياب لم يسعفه في تسديد نفقات علاجه في المستشفى بالخارج كما تكشف سلسلة رسائل الشاعر المنشورة بعد وفاته، فما العذر لدولة نفطية ثرية اليوم، لكي يعود روائي عراقي كبير بعد أربعين سنة من الغربة هو الراحل عبدالرحمن مجيد الربيعي ولا يجد مَن ينتبه لعلاجه أو سكنه ، حيث لا مال ولا بيت، ملتحقاً عند ابنه الذي يستأجر بيتاً؟ هل يستعصي الامر على رئيس من الرؤساء، و ما شاء الله ما أكثرهم في البلد، أن يُسكنه في شقة من دون أن يمنحها له تمليكاً ، فقط لصيانة اعتباره وكرامته ووضعه في أواخر أيامه، وهي لم تكن طويلة. وتوجد حالات أخرى كثيرة. هناك مسؤوليات مشتركة للاتحادات والنقابات والحقائب الوزارية المعنية ان تتبنى إيصال هذه الحالات الى قيادة الدولة التي ينبغي أن تكرس جهدا وموازنة ووقتاً للعناية بكل المبدعين ومن مختلف الاعمار، وليس الكبار فقط، لكي يحتفظ الوطن بهم ويكونوا بعد ذلك تلك القوة الناعمة التي تتحرك لدعم مسارات السلم الاجتماعي والتنمية والبناء والسياحة والعلاقات الخارجية مع العالم.