أهمية الثقافة الإجتماعية في التغيير
أهمية الثقافة الإجتماعية في التغيير – منقذ داغر
في كتابنا الذي سيصدر قريباً بالعربية،نجادل أنا وزميلتي ميشيل كيلفاند أستاذة الثقافات الأجتماعية المقارنة في جامعة ستانفورد أن الثقافة الأجتماعية هي عنصر مهم ومفسِّر لكل التغيرات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية لأي شعب. نقصد بالثقافة هنا مجموعة القيم الفردية والمعايير الاجتماعية والافكار والعادات والتقاليد واساليب الحياة والتفكير والسلوك والآداب والفنون التي تميز مجموعة ما او مجتمع معين وتعطيها الاحساس بهويتها المجتمعية وشخصيتها المميزة،وهي تتغير تبعاً للتفاعل مع البيئة التاريخية والجغرافي والاقتصادية والمادية التي تتواجد فيها تلك الثقافة.
أن هذا التفاعل بين الثقافة والأقتصاد والأجتماع والسياسة والتاريخ والجغرافيا هو من يُحدث التغيير في المجتمع. وعلى الرغم من أن العنصر السياسي أو الأقتصادي قد يبدوان للبعض مسؤولَين عن التغييرات الكبرى التي حصلت عبر التاريخ في مختلف أرجاء العالم، الا أن هناك دوماً جانب أجتماعي ثقافي مهم قد لا يبدو للبعض بارزاً،لكن لا يمكن حصول التغيير بدونه،أو على الأقل سيكون التغيير منقوصاً.تقدم لنا الأحتجاجات الشعبية المستمرة في أيران منذ شهور مثلاً جديداً على أهمية الثقافة الأجتماعية في التغيير.احداث تغييرفخلال الأسابيع القليلة الماضية أنتقلت المطالبات بأِحداث التغيير من الجماهير والشباب المتظاهر الى أروقة النظام الأيراني الذي برزت فيه أصوات وقرارات تتضمن تغييرات كان لا يمكن تصورها قبل بضعة أسابيع.
فهاهو المدعي العام الأيراني محمد منتظري يصرح في عطلة نهاية الأسبوع الماضي أن شرطة الآداب”كشت إرشاد” قد تم حلها،في خطوة تذكرنا بما حصل في السعودية من قبل!
وأضاف أن الحكومة تعيد النظر في قواعد الحجاب الإلزامي للمرأة! كما أن رجل الدين رضا غلامي صرح عبر شاشة التلفزيون الرسمي أن ظروف البلد الحالية تختلف تماماً عن ظروفها عند قيام الثورة وأن علينا أن نقبل أن الشرطة الأيرانية قد أخطأت في تعاملها مع المحتجين بل وفي فرض الحجاب في المقام الأول.وهنا يبرز تغيير مهم في الخطاب لا يُلقى فيه اللوم فيما يحصل على أمريكا والأستكبار العالمي،بل على أخطاء أرتكبها النظام. لا بل أن ممثل المرشد الأعلى في الجامعات السيد مصطفى رستمي يقر بأن 55 بالمئة من السكان مؤيدين للأحتجاجات الشعبية بحسب الأستطلاع الذي قامت به الحكومة! نحن أذاً أمام مطالبات بالتغيير شرارتها الأولى كانت ثقافية ( فرض الحجاب).صحيح أن الظروف الأقتصادية والسياسية قد أضافت وقوداً لتلك الأحتجاجات وساعدت في أستمرارها،لكن الأساس الثقافي واضح. فالحريات بمختلف أشكالها هي جزء من الثقافة الأجتماعية الراسخة في الثقافة الأيرانية عبر قرون والتي لا يمكن تغييرها حتى وأن تم فرض ذلك بالقوة.
لكننا هنا يجب أن لا نخطىء التقدير في موضوعين رئيسين أولهما أن المطالبة بالتغيير هذه لا تعني أن المجتمع الأيراني يريد تبني أنموذج الديموقراطية الليبرالية الجديد بخاصة في ظل قوة ورسوخ المعتقدات الأسلامية المناهضة لذلك داخل المجتمع.
والثاني هو الأعتقاد أن هذه الأحتجاجات يمكن أن تسقط النظام الذي ما زالت ركائزه ومؤسساته قوية.ثورة اجتماعيةأن ما يحصل في إيران اليوم هو أرهاصات لعملية تغيير واسعة سيشهدها المجتمع الأيراني في الأشهر القادمة .هذه الأرهاصات سبق وأن تم ألتقاط ما يشابهها في السعودية فقامت القيادة هناك بثورة أجتماعية كي تستوعب تلك التغييرات.وعلى الرغم من أن هناك أجنحة داخل النظام الأيراني ما زالت رافضة للقيام بتغييرات جدية الا أن من الواضح أن هناك جناح آخر داخل النظام أكثر أستماعاً وأستيعاباً لما يحصل من تغيرات.
أن نتائج هذا الصراع ما زالت غير محسومة لكن البديهة التاريخية تشير الى أن محاولة مقاومة تغييرات الثقافة الأجتماعية تكاد تكون مستحيلة أو باهضة الثمن.أخيراً أوجه رسالة الى المعنيين عندنا في العراق مفادها،أن العراق وشعبه لا يختلفان عن بقية الدول والشعوب في أستجابتهما لمتطلبات التغيير التي يفرضها واقع التغير الزمني.
لذا فأن الأصوات والقوى التي تحاول أيقاف عجلة التغيير الثقافي لن يكون مصيرها الا الفشل أو الثمن الغالي. وأن من الخيرللعراق وشعبه أن تجري عملية تغيير أجتماعي مسيطر عليه بدلاً من عملية التغيير المنفلت الذي قد يقود لمسارات تتناقض تماماً مع ثقافتنا الأجتماعية مما يقود لأضطرابات شديدة،وهذا ما عالجناه تفصيلاً أنا وزميلتي كيلفاند في كتابنا القادم قريباً أن شاء الله.