أمطار الفرح تغسل أحزان الغيوم
د. نزار محمود
كان قد اعتاد الحزن والتذمر، فلم يكد يمضي يوم الا وكان قد سطر في دفتر كتاباته حكاية تحكي الألم والشكوى، وكأن خياله “مغناطيساً” يجذب اليه قصص التعساء والغلابة، حتى أن أقرب أصدقائه رغم محبتهم له، كانوا قد سئموا أحاديثه
. لقد كان بصره لا يرى الا اللون الأسود في الحياة، وربما تجاهل عن عمد أو دونه رؤية ما يمر من أمام عينيه من ألوان بيضاء وأخرى ملونة زاهية.كما كان صاحبنا يعاني منذ سنين من بطالة متكررة جراء تركه العمل بسبب عدم انسجامه مع زملائه أو بسبب انهاء عقد عمله من قبل أرباب العمل الذين لم يجدوا فيه ما يساهم في خلق بيئة عمل مشجعة ومحفزة ومتفائلة.في أحد الأيام ذهب ليجلس في احدى حدائق المدينة التي قامت فيها أشجار جميلة باسقة وكست أرضها خضرة نضرة وزينت وجه ساحاتها ورود تنوعت ألوانها وأشكالها.وبينما هو جالس يفكر في أحوال الحياة ويجتر همومه اذ يقترب منه شاب يتحرك على كرسي كهربائي وهو يبتسم في وجهه محيياً إياه بابتسامة جميلة، وقد بدت عليه سعادة لا توصف.
يحدق صاحبنا المتشكي في عيون ذلك الشاب المقعد، وهو مندهش بسعادة ذلك الشاب المقعد، ثم استأذن الشاب بسؤاله:ما الذي يجعلك سعيداً كما أراك؟أجابه الشاب، بكل الثقة: انني انظر الى حياتي في جوانبها المشرقة، وأغض البصر عن جوانبها المظلمة!لكن صاحبنا لم يقتنع بإجابته، فاستسمحه بسؤال ثان: ولكنك مقعد، لا تقوى حتى الوقوف، ناهيك عن المشي والحركة!ابتسم الشاب المعوق، ثم قال: يا صديقي، يبدو أن هذا هو الفرق بيني وبينك، وقد لاحظت في وجهك الغم والحزن والتذمر. لو كان الوقوف والمشي وغيرها تجلب السعادة للإنسان لوجدتك مبتسماً سعيداً! ألا تتفق معي بهذا؟ أرجو الآن أن تعذرني بالذهاب، لأني أحمل بعض البذور لطيور اعتادت أن أطعمها!وهكذا يترك الشاب المعوق صاحبنا المتذمر ويمضي إلى شأنه.بقي صاحبنا لدقائق مشدوهاً ومتأملاً بما قاله ذلك الشاب المقعد، ثم عاد الى نفسه طارحاً عليها أسئلة تزاحمت في رأسه حول معنى السعادة والفرح في الحياة، فلم يجد خيراً من القناعة والرضا بما قسمه الله للإنسان، الرحمن الرحيم الحكيم العادل!لقد ترك ذلك اللقاء أثراً بالغاً في عقلية ونفسية صاحبنا، لأنه كان عفوياً صادقأوكانت نظرات ذلك الشاب المقعد وكلماته، التي لم تعد تغادر ذاكرة صاحبنا، إيذاناً بحياة جديدة مختلفة تماماً عن ما سبقها من سنين. لم بعد صاحبنا يرى في الحياة الا جميلها، ولم تعد همومها ومشاكلها عنده سوى ظواهر عارضة وأقدار يجب على الإنسان تحملها، ممتلكاً العزم على تجاوزها، وراضياً في كل حال على تقبلها. لقد غسل ذلك اللقاء القصير عتمة وأحزان الغيوم التي كانت تحوم في رأس صاحبنا، متخيلاً إياها حاملات أمطار فرح وسعادة!