أمريكا وإيران..هل ينجح طريقهما الثالث؟
منقذ داغر
مر قبل أيام،وفي حومة الجدل بخصوص الموازنة العراقية، خبر مثير لم ينتبه له كُثُر.
فقد حوّل العراق لأيران ما مجموعه 2.67 مليار دولار وهي قيمة المستحقات المالية المتراكمة عن فاتورة الطاقة المصدرة للعراق خلال السنين السابقة.
على الرغم من الحكومة العراقية نسبت الفضل لنفسها بهذا التحويل المالي الذي عجزت عن تحقيقه الحكومات السابقة بسبب العقوبات الأميركية على أيران ،الا أن الوقائع تؤكد أن هذا التحويل هو ضمن صفقة أميركية-أيرانية بات يشار لها بالطريق الثالث.
يرمز الطريق الثالث الى مسار سياسي مختلف عن الخيارين المطروحين سابقاً وهما التوصل لأتفاق نووي مع أيران كما كانت الأدارة الأميركية والأيرانيين يأملون عندما أستلم بايدن مفاتيح البيت الأبيض،أو الأستمرار بممارسة مزيد من الضغوط الأقتصادية والعسكرية ضمن ما يسمى بسياسة الضغط الأقصى maximum pressure التي أنتهجها ترامب ضد أيران أبان حكمه.تقوم سياسة الطريق الثالث على الطيران المنخفض لتجنب رادارات صقور السياسة في أمريكا وأسرائيل،وحتى أيران.لقد بات معلوماً ومؤكداً فشل أمكانية أحياء الأتفاق النووي السابق أو حتى أبرام أتفاق جديد لأسباب مختلفة أهمها فقدان الثقة بين الطرفين،والضغوط التي مارسها صقور السياسة في الحزبين الجمهوري والديموقراطي فضلاً عن ضغوط أسرائيل ولوبيها النشط في واشنطن.صقور السياسةوبمساعدة غير مقصودة من صقور السياسة في أيران تمكن معارضو المباحثات والأتفاق النووي بين أمريكا وأيران من أسقاط هذا الأحتمال الذي كان يبدو قريباً جداً في مرحلة ما خلال السنتين الأخيرتين. ولم تجدي نفعاً كل المحاولات التي بذلتها الدول الأوربية وبعض الدول الأخرى في جعل الطرفين يوقعان على الأتفاق النهائي بينهما. خلال تلك الفترة نشطت أسرائيل لمنع هذا الأتفاق سواء من خلال حلفائها في واشنطن أو أتصالاتها الدبلوماسية مع الأدارة الأميركية أو حتى من خلال الهجمات العسكرية السرية على البرنامج النووي الأيراني داخل وخارج أيران.على الرغم من توقف الأتصالات المباشرة بين الأميركان والأيرانيين بعد ذلك،الا أن كلا الطرفين ظلا يشعران بأهمية أغلاق هذا الملف المفتوح للتفرغ لشؤونهما الأستراتيجية الأخرى.
فأميركا لها مصلحة حقيقية في أبقاء المنطقة العربية التي تنشط فيها الميليشيات الولائية هادئة بحيث لا يمس أحد قواتها المتواجدة هناك فضلا عن عدم تهديد ممرات الملاحة في الخليج او منابع النفط هناك. صحيح أن أمريكا لم تعد بحاجة مؤثرة لنفط المنطقة لكنها تدرك أن أي خطر يداهم منابع النفط،كما حصل عند ضرب أرامكو،أو ممرات الملاحة في الخليج العربي يمكن أن يحدث حالة كبيرة من عدم الأستقرار في الأقتصاد العالمي وبالتالي يمس المصالح القومية المباشرة لأمريكا.
هذا فضلاً عن أن أميركا تريد تركيز جهودها السياسية والعسكرية على الصين وروسيا والعالم الجديد من المنافسة الذي باتت ملامحه تتشكل تدريجياً. من جانبها فأن أيران تدرك أنها تواجه خطر حقيقي في الداخل نتيجة أنهيار الأقتصاد بسبب العقوبات الأميركية وأن هناك شارع أيراني مضطرب ومتحفز للتحرك ضد النظام. لقد تركت هذه العقوبات فضلا عن جائحة كورونا جراع عميقة يصعب الشفاء منها دون توقف حملة الضغط القصوى أو على الأقل أخذ هدنة مناسبة.
هذا فضلاً عن أن الهجمات الأسرائيلية داخل وخارج أيران باتت تشكل ضغط داخلي كبيرعلى صانع القرار الأيراني. كما أن أيران تحولت مؤخراً الى دولة محاطة بمشاكل مع جيرانها في كل الأتجاهات.حل عمليمن هنا فقد بدا الطريق الثالث الذي شرعت كل من أيران وأمريكا بأرتياده على ما يبدو،هو الحل العملي الوحيد المتاح حالياً. يقوم هذا الحل على هدنة غير معلنة بين الطرفين ضمن صفقة ترعاها دولة عمان حالياً ولا تبدو بعيدة عن الأعين الأوربية أيضاً.
هذه الهدنة تقضي بالحد من نشاط أيران النووي وتجميد الوضع الحالي في المنطقة بحيث لا تصعد الميليشيات الولائية من أنشطتها. مقابل ذلك سيتم التخفيف من العقوبات الأميركية بخاصة ما يتعلق بأطلاق بعض الأموال الأيرانية المجمدة،كما هو الحال مع الديون الأيرانية للعراق.
هذه الصفقة سوف لن تحتاج الى أقرارها من قبل الكونغـرس الأميركي الذي بدأ بعض أعــــــــضائه البارزين، مـــــــثل منيندز، بالحديــــــــث عن الموضوع ومعارضته.ومن المعروف أن غالبية الكونغرس الأميركي بغرفتيه وبخاصة في مجلس الشيوخ معارض لتخفيف العقوبات أو عقد أتفاق مع أيران.لذا يبدو الطريق الثالث حل جيد للموضوع بالنسبة لواشنطن.
أما من الجانب الأيراني فأن مثل هذا الأتفاق سيتيح لأيران تدفق الدولار في شرايين أقتصادها المريض كما سيجنبها ضغوط صقور المحافظين في الداخل. لكن السؤال المهم الآن هو: ماهي أنعكاسات هذا الطريق الثالث على المنطقة عموما وعلى العراق خاصة؟ هذا ما سأحاول تحليله في المقال القادم.