أكشفوا المستور في صفقة عقود تراخيص الهاتف النقال
كتب / رائد الهاشمي
جميع حكومات العالم الحريصة على رفاهية شعوبها تحرص دائماً على البحث عن افضل الفرص والاستثمارات التي تحقق هذه الغاية النبيلة, ومن الأمور التي أصبحت مهمة جداً في حياة كل الشعوب هو قطاع الاتصالات لما له من أهمية بالغة في الحياة اليومية للمواطن من حيث التواصل مع الأهل والأصدقاء وتسيير أعماله التجارية وكذلك استخدام شبكة الأنترنت التي أصبحت ضرورة من ضروريات الحياة ولايمكن الاستغناء عنها.من هذه الأهمية الكبيرة لهذا القطاع تحرص الحكومات على اختيار أفضل الشركات العاملة في هذا القطاع عبر طرح مناقصة مفتوحة تقدم فيها الشركات الراغبة بالاستثمار عروضها ويبدأ التسابق لنيل رضا الحكومات عبر التنافس في العروض بتقديم أفضل الخدمات وأنسب الأسعار علماً يُعدّ الاستثمار في هذا المجال من أفضل انواع الاستثمارات لما يحققه من أرباح هائلة لتلك الشركات وبالمقابل تحقق هذه العقود ايرادات ممتازة لموازنة الدول لذلك يكون الخيار دائماً بيد الحكومات لاختيار أفضل العروض من حيث جودة الخدمات المقدمة لمواطنيها ومن حيث أفضل العائدات التي تتحقق لموازنة الدولة مع اعطاء الأفضلية للشركات الوطنية.العراقيون ابتلوا بثلاث شركات رئيسية هي زين وآسيا وكورك حصلت على عقود تراخيص الهاتف النقال ولمدة خمسة عشرة سنة في ظروف مريبة وشروط سهلة وكانت الكفة في هذه العقود الى صالح هذه الشركات من كل الجوانب وأهملت مصلحة الدولة والمواطن وكانت نتيجتها معاناة كبيرة من المواطن العراقي من سوء خدمات وارتفاع في الأسعار وضعف الانترنت وارتفاع اسعار المكالمات وقلة المدة الممنوحة لكارت الشحن حيث اصبحت هذه الشركات تستنزف من جيب المواطن الأموال بشتى الأساليب تحت انظار الحكومة وهيئة الاتصالات التي تعد هي الجهة الرقابية المخولة بمراقبة ومحاسبة أداء هذه الشركات والتي لم نراها يوماً وقفت الى صف المواطن أمام جشع هذه الشركات وأجبرتها على تحسين خدماتها أو تقليل الأسعار أو تخفيف الشروط فكان المواطن العراقي دائماً هو الخاسر في هذه المعادلة علاوة على الديون الكبيرة التي بذمة هذه الشركات والتي تماطل في تسديدها للدولة.استبشر المواطن العراقي بقرب انتهاء عقود تراخيص هذه الشركات بعد خمسة عشرة عاماً من المعاناة والاستنزاف اليومي للاموال وترقب العقود الجديدة التي ستدخل شركات أخرى جديدة ومنها شركة الوطنية للاتصالات التي تم الاعلان عنها مراراً وأنها اكملت جميع الاستعدادات للدخول في المنافسة مع هذه الشركات واستلام العمل على أرض الواقع ولكن كل هذه الآمال ذهبت أدراج الرياح عندما تفاجئنا بقرار مجلس الوزراء في يوم 7 تموز 2020 بتجديد عقود تراخيص الهاتف النقال لمدة 8 سنوات تبدأ بعد انتهاء العقد الحالي ولنفس الشركات التي اذاقت المواطن العراقي الأمرين.ان الظروف الغير طبيعية والغموض الذي شاب اصدار هذا القرار السريع يستوجب الوقوف عنده واعادة النظر والتحرك السريع من قبل البرلمان العراقي وهيئة النزاهة لسرعة التحقيق في هذا الملف والحصول على اجابات سريعة وواضحة عن عدة تساؤلات تقلق الشارع العراقي ومنها أولاً لماذا تم اصدار هذا القرار الهام والحيوي والذي نحن بأحوج مانكون لوارداته في هذا الظرف الحرج الذي يمر به اقتصادنا وخلال 24 ساعة فقط وثانياً لماذا سبق اصدار القرار تغيير رئيس هيئة الأمناء وعضوين آخرين في هيئة الاتصالات وثالثاً لماذا يعقد هيئة الامناء الجديد فوراً اجتماعاً بأربعة أعضاء فقط في يوم 6 تموز وهذا مخالفاً من الناحية القانونية ليصدروا قراراً بهذه الأهمية القصوى والحيوية ورابعاً لماذا يرفع بنفس اليوم الى رئيس الجهاز التنفيذي السيد علي الخويلدي الذي يسارع وبدون أي تأخير الى المصادقة ورفع كتاب الى الأمانة العامة في مجلس الوزراء الدائرة القانونية وخامساً لماذا يتم ادراج هذا القرار على جدول أعمال اجتماع رئاسة الوزراء فوراً وبدون علم أعضاء مجلس الوزراء ولماذا يتم المصادقة على هذا القرار الهام في يوم 7 تموز في اجتماع مجلس الوزراء بالرغم من اعتراض بعض الوزراء .ان عملية دراسة واتخاذ هذا القرار التاريخي المؤثر في الاقتصاد العراقي من كل الجوانب قد استغرق اربعة وعشرون ساعة فقط بين هيئة الاتصالات و رئيس الجهاز التنفيذي والدائرة القانونية لمجلس الوزراء ومن ثم اجتماع مجلس الوزراء فلماذا هذا الاستعجال الغير طبيعي والمريب في ذلك؟؟؟؟وسادساً لماذا يتم استبعاد الشركة الوطنية للاتصالات من دخول المنافسة ولماذا لم يتم طرح المناقصة بشكل علني والسماح بدخول شركات عالمية جديدة وسابعاً لماذا يتم مكافئة هذه الشركات التي أذاقت الشعب العراقي الأمرّين باعطاء هذه التسهيلات الكبيرة وتقسيط الديون القديمة والمستحقة بأوامر قضائية بأن تدفع نصفها في نهاية هذا العام والباقي يتم تقسيطه خلال خمسة سنوات وثامناً لماذا تم اسقاط جزء من الديون المستحقة على الشركات بحجة انخفاض ايراداتها خلال السنوات الماضية وعلاوة على ذلك يتم منحها مدة تعويضية ثلاث سنوات وتاسعاً وهو الأهم لماذا تم منح هذه الشركات رخصة استخدام الجيل الرابع مجاناً وهذا وحده يجب أن يكون بعقود جديدة وبمبالغ كبيرة تدخل ايرادات الى خزينة الدولة .كل هذه التساؤلات يجب أن توجه من قبل البرلمان العراقي بجلسة عاجلة يتم فيها استدعاء كافة الأطراف التي قامت بتجديد عقود التراخيص على أن تكون هذه الجلسة علنية ليطلع المواطن العراقي على مجرياتها وليعرف الجميع بالخفايا والدوافع التي مررت بها هذه الصفقة المريبة في وقت يعيش فيه البلد والاقتصاد أسوأ ضروفه , وتوقيتها جاء مع الدعوات الكثيرة لانهاء عقود هذه الشركات التي يعرف الشعب جيداً مالكيها الحقيقيين, وفي وقت زادت آمال المواطن الكبيرة بتصريحات ووعود السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بحربه الكبيرة على الفساد والفاسدين في كل مؤسسات الدولة والتي استبشرنا بها خيراً وأيدنا هذا التوجه وكنا نترقب الخطوات القادمة بفارغ الصبر, ولكن جائت صفقة عقود تراخيص الهواتف النقالة لتجهض آمالنا في مهدها لنتأكد انها كانت سراباً ولترجعنا الى المربع الأول وهو أن العراق لن تقوم له قائمة ومازالت مقدراتنا بيد الفاسدين.