أقل من عشرة دولارات!!
الكاتب د صادق السامرائي
ماذا ستفعل الدول النفطية وأنظمتها عندما يصبح سعر برميل النفط أقل من عشرة دولارات؟!
فالنفط في حالة إنزلاق سعري متسارع وسيهبط إلى أقل من عشرة دولارات وسيستمر على هذا السعر لسنواتٍ عديدة قادمة , بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة , والتي لن يجد العالم منها مخرجا بسهولة , لأنه لا يعالج أسبابها الحقيقية , وإنما منشغل بالتفاعل مع النتائج والتداعيات الناجمة عنها , والمتواصلة حتما , لأن ضخ المليارات لن تحل هذه الأزمة على الإطلاق , بل ريما ستزيد من تعقيداتها وتفاعلاتها السلبية في المجتمعات الأرضية.
وفي هذا الزمن الصعب على الدول النفطية أن تتساءل عن مدى قدراتها الاقتصادية وإمكانيات تواصلها , وأن لا تكون ضحية لذريعة ضخ الأموال في الأسواق بحجة معالجة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم , والتي سيكون لها نتائج خطيرة على الدول الضعيفة إقتصاديا.
إن معظم الدول النفطية لم تتطور إقتصاديا لأنها لم تبني القواعد الأساسية لإقتصاد بلا نفط , وإنما اعتمدت في تفكيرها وخططها على النفط وتحت وهم أن أسعاره بإزدياد , وأن الحاجات العالمية ستزداد أيضا , ووفقا للتصورات الكثيرة بأن النفط يمكنه أن يتوفر لأكثر من قرن , وأن العالم سيبقى معتمدا عليه كمصدر رئيسي للطاقة .
ومعظم الدول النفطية ألغت قوة العقل الإبداعية وإمكانية تصنيعه لمصادر بديلة للطاقة النفطية , بينما أصبح الوقت مؤهلا لتوفير البدائل العديدة للنفط , ولا أظنها فترة طويلة حتى نجد المحركات والآلات التي تعمل بطاقة أخرى غير النفط.
وهذا يعني أن النفط سيفقد قيمته الإقتصادية ودوره في الحياة , أو أنه سيفقد الكثير من أهميته التي إكتسبها في القرن العشرين , لأن القرن الحادي والعشرين لن يكون قرن نفط بقدر ما سيكون قرن إبداعات فائقة وبنوعية جديدة , ستنقل البشرية إلى مراحل أخرى متقدمة من التفاعل اليومي , أكثر مما فعلته الكومبيوتر ببرامجها المتسارعة التطور.
ومن هنا فأن الدول النفطية ستصبح في مأزق , إن لم تتدارك وضعها الإقتصادي وتضع خططها وتبني تفكيرها على أن سعر النفط أقل من عشرة دولارات , حتى وإن بقي السعر أكثر من هذا , وأن تهتم بأرصدتها المتوفرة حاليا لأنها لن تكسب أكثر منها , وأن تتعلم كيف تستثمرها لصالح بلدانها ورفع مستوى معيشة الفرد فيها.
أي أن عليها مراجعة خططها وأفكارها ونظرياتها وتتحرك وفقا لواقع حال القرن الجديد , وتتحرر من أفكار القرن العشرين , وتتخلص من تصوراته التي ما عادت ذات قيمة ودور في حياة القرن الجديد , الذي يحمل على ظهره ما لا يحصى من التساؤلات والتصورات , التي ستضعه على سكة مسير آخر لم تعهده البشرية من قبل.
فالدول النفطية بحاجة إلى تركيز أنظارها ونشاطاتها وإستثماراتها في بلدانها , وأن لا تتوهم بالإستثمارات الخارجية لأن في ذلك مخاطرات وخيمة العواقب , أقلها أن تذهب جميع أموالها في مهب الريح بحجة أو بأخرى.
ولابد لأصحاب رؤوس الأموال أن يستيقظوا من أحلام يقظة النفط وما يدره من أموال , لم يتعاملوا معها بعدل وإنصاف وما شاركوا أبناء بلدانهم فيها , وإنما احتكروها وأمعنوا بالإسراف والتبذير الذي لا مثيل له , فأفقروا شعوبهم وأذاقوها الويلات , وأطعموها عناءا يوميا وقحطا شديدا وهي تسعى فوق النفط.
فقد عاشت البلدان النفطية إحتكارا عائليا وكرسويا على مدى القرن العشرين , ولهذا لم نجد فيها نعمة النفط بقدر ما رأينا نقمته في معظمها , وخصوصا العراق ثاني أو ثالث دولة نفطية في العالم.
فأموال النفط كانت تعني دوما شراء أسلحة عفا عليها الزمن , وخالية من قدرات مواجهة الأسلحة الحديثة , وإنما هي أسلحة فقدت صلاحيتها للعمل في الدول التي تصنعها , وبدلا من إتلافها والتخلص منها يتم بيعها للدول النفطية , التي ستشتري عوضا عنها بعد حين وهكذا دواليك , حتى وجدنا العراق وفي أعلى ميزانية في تأريخه يدخل حربا شعواء لمدة ثمان سنوات متواصلات مع جيرانه , فإستخدمت أموال النفط لدماره ودمار أبناء شعبة والدخول في دوامة المآسي والويلات.
ومن خلال قراءة السلوك الإقتصادي لبلدان النفط على مدى القرن العشرين , يظهر بأن النفط لم ينفعها أكثر مما أضرها , إلا فيما قل وندر.
فهو الذي شل عقلها الإقتصادي وحرمها من التفاعل الجاد مع الحياة , وعزلها عن الصراعات الإبداعية القائمة في الأرض , وإنتقل بها إلى حالة الجمود والتراخي وعدم الإعتماد على النفس وإنما على برميل النفط.
ولولا هذا الإعتماد لما دخلنا حروبا ولما حصلت التداعيات المؤلمة في بلداننا.
ولهذا فأن هبوط سعر النفط إلى أقل من عشرة دولارات سيكون ذو فائدة للأجيال القادمة , لأنها ستعتمد على نفسها وتبتكر وسائل عيشها وأسباب بقائها القوي .
وحالما تعتمد على نفسها وتتخلص من الإتكال على النفط ستجد بأنها قادرة على التفوق والإبتكار وبناء أسس وجودها الحضاري , الذي يعبّر عن عقلها المبدع وطاقاتها الخلاقة , وسيكون لها مكانا مرموقا في مسيرة الإنسانية جمعاء.
وبفقدان النفط لقيمته ودوره ستعيش بلدانه بسلام وتتذوق طعم الحياة , وستخرج من قاع آباره المظلمة السوداء كلونه المقيت ورائحته الكريهة.
وستقرؤون الفاتحة على كل بئر نفط لئيم لم ينفع أبناء أرضه على مر السنين , بل أحرقهم وحولهم إلى بعض نفط.
فتبا للنفط وويلاته ورحم الله قرنا كان برميل النفط فيه سيدنا ومستعبدنا ومدمرنا وسارق ذكائنا , ورغم ذلك يسموننا دولا نفطية , وكأنهم يقصدون بأننا دولا شقية (من الشقاء) , أو غير ذلك.
*هذه المقالة ليست رجما بالغيب وإنما بنيت على بحث ودراسة , ونُشرت في العديد من الصحف والمواقع , وتذكرتها والنفط في إنحدار سعري سريع , وأرجو أن لا تكون صادقة.