أطباء العراق بمواجهة مع تردي القطاع والإعتداءات المتكررة
مستشفيات متهالكة ونقص ملحوظ في الأدوية الأساسية والأجهزة الطبية، أماكن إقامة تبدو كأنها بيوت مهجورة،
لافتقارها إلى أبسط مقومات الراحة، ويضاف إلى ذلك، تعرض الأطباء المتكرر للضرب، هذه الأجواء يحاول الطبيب العراقي التعايش معها، لكن الوباء العالمي كشف تردي الواقع الصحي في البلاد، الذي غالباً ما يحمل الأطباء أنفسهم مسؤوليته، فزادت حالات الاعتداء عليهم، مع غياب قانون رادع يحميهم.
ولكي تُسمع أصوات الأطباء، التي علت مراراً لتسليط الضوء على الخلل في النظام الصحي، أعلنوا في السادس من سبتمبر (أيلول) بدء إضراب جزئي، لم يشمل الطوارئ والإنعاش والعناية المركزة. وفي الـ19 من سبتمبر بدأ الإضراب الشامل في جميع الأقسام.
أسباب عديدة
يقول مرتضى علي، طبيب مقيم، “أسباب الإضراب تراكمية، لكن السبب الذي عجّل به هو تأخير تعيين دفعة خريجي 2019 التي كان من المؤمل أن ترفد المؤسسات الصحية بـ2500 طبيب، مما زاد العبء على الطاقم الطبي الحالي الذي يعمل ساعات متواصلة”.
ويوضح علي، لـ”اندبندنت عربية”، أنه “بهدف سد النقص في الكادر الطبي، يجري تأخير إعلان نتائج اختبارات الإصابة بكورونا المخصصة للأطباء. وغالباً ما يعمل الطبيب ساعات طويلة وهو مصاب”، الأمر الذي أدى إلى “تردي الحالة الصحية للأطباء المصابين ووفاة عدد منهم”.
وتوضح الطبيبة الزهراء حسام، أن القانون العراقي حدد ساعات العمل بثماني ساعات، “لكن الطبيب يعمل فوق طاقته، وقد تصل ساعات العمل إلى 12 و24 ساعة متواصلة، بينما لا تحتسب وزارة الصحة هذه الساعات الإضافية من ضمن الأجور”.
وتشير الطبيبة آية، إلى أن الأطباء “هم وحدهم الذين استمروا بالعمل في ظل جائحة كورونا بنسبة مئة في المئة، على العكس من المهن الصحية الأخرى”.
قانون حماية الأطباء
الاعتداءات المتكررة وعدم وجود قانون رادع لها، من أحد الأسباب الرئيسة للإضراب، إذ تفتقر المستشفيات إلى الأدوية المنقذة الحياة، مما يجعل الطبيب في تصادم مع المريض، ويظهر كأنه المسؤول عن هذا النقص.
وتوضح الطبيبة نقاء عباس علي، أن الطبيب “يعاني عدم وجود البيئة المناسبة للعمل، ومع افتقار الطوارئ إلى الأدوية غالباً ما يضطر إلى إرسال ذوي المريض لشراء الأدوية الأساسية، وفي الوقت نفسه يُعتدى عليه لفظياً وجسدياً، ويُعامل كأنه المسؤول عن هذا النقص. فالأطباء مجبرون على العمل في بيئة غير مناسبة، ليكونوا الخط الأول لصد فشل النظام الصحي”.
وغالباً ما يجري تهديد الطبيب عشائرياً للتنازل عن الشكوى ضد من اعتدى عليه. لذلك، طالب بيان الأطباء المضربين بضرورة إلزام المؤسسة الصحية برفع دعوى بالحق العام ومتابعتها ومحاسبة المسؤول قانونياً في حال عدم تنفيذ ذلك.
مطالب أخرى
للحد من هجرة الأطباء، تحجب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وثائق خريجي كلية الطب، فلا تمنحهم الوثائق إلا بعد سبع سنوات من الخدمة، أو دفع مبلغ 27 مليون دينار عراقي (22,500 دولار) تعويضاً عن سنوات الدراسة. وهذا ما يحرمهم من إمكانية التدريب والدراسة خارج العراق. لذلك، طالب الأطباء المقيمون بتزويدهم بكتاب “استمرار خدمة” لصالح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، للحصول على وثائقهم من دون كفالة.
البيان طالب أيضاً بتوفير بدل نقدي ثابت لوجبات الطعام، أسوة بإقليم كردستان، البالغ 350 ألف دينار عراقي (400 دولار أميركي). وتوضح رسل حسن أنه على الرغم من استقطاع مبلغ غير قليل من راتب الطبيب، لغرض توفير طعام جيد، لكن “ما يصل إلينا لا يرقى إلى مستوى المبالغ المستقطعة”.
أما الزهراء حسام فتذهب أبعد من ذلك، لتؤكد أن “الإعاشة في بعض الأحيان تكون عبارة عن ملح وخبز وماء فحسب”. وتتساءل “هل من المعقول أن تُستقطع مبالغ غير قليلة من راتب الطبيب من أجل الحصول على هذه الوجبة؟”.
أخلاقيات المهنة أولاً
استمر الإضراب الأول للمقيمين الدوريين (الأطباء المتخرجون حديثاً) مدة ثلاثة أيام، ولم يشمل المقيمين في ردهات الطوارئ والإنعاش، إلا أن مطالبهم لم تجد لها صدى من قِبل وزارة الصحة. لذلك، عادوا إلى الإضراب مجدداً، وبمشاركة أوسع.
وتوضح الطبيبة نقاء عباس علي أنه مع إضراب المقيمين الدوريين حصل نقص حاد في الكادر الطبي، الأمر الذي جرى تعويضه بوجود المقيمين الأقدم وأطباء الاختصاصات، “لأننا أمام مسؤولية، ووجب علينا أن نضع أخلاقيات المهنة أولاً، حتى إن غاب القانون”.
وتوضح الطبيبة آية أن المناطق النائية “لم تشهد إضراباً”، حرصاً على المريض في هذه المناطق التي تشهد، في الأساس، نقصاً في أطباء الاختصاص.
نقابة الأطباء ستقف بوجه العقوبات
ويتخوف بعض الأطباء من إجراءات عقابية قد تتخذها وزارة الصحة بحق الأطباء المضربين. لكن نقيب الأطباء العراقيين عبد الأمير الشمري يقول إن النقابة “تقف مع مطالب الأطباء ومعاناتهم”، وهي تطالب باستمرار بضرورة توفير الحماية لهم.
وأكد الشمري أن النقابة ستقف بقوة ضد أي إجراءات قد تُتخذ ضد الأطباء المضربين، بل يجب على الحكومة “الاستجابة لمطالبهم”.
ولا يستبعد الأطباء اتساع رقعة الإضراب، ليشمل فئات أخرى من الجهاز الطبي في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.