أحلام الحلبوسي بتولي رئاسة الجمهورية تصطدم بواقع الرفض الكردي الشيعي
ان التجارب التأريخية، تؤكد بأن الدول المتحولة من الأنظمة الدكتاتورية الى الديمقراطية، لابد لها ان تمر بمخاض عسير، وتحتاج الى الى حقب زمنية قد تكون طويلة جدا الى ان تصل الى حالة الاستقرار “النسبي” على الأقل، بشكل ينسجم وطبيعة التركيبة الاجتماعية والتنوع الديمغرافي لهذه الدول المتحولة.
وبلد مثل العراق متلون بفسيفساء دينية وطائفية، مر بهذه المرحلة المتمثلة بعدم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، وكان بامس الحاجة الى تقنين التمثيل السياسي لفسيفسائه ليشترك الجميع ببناء البلد، وتحقيق الطموح بعدم التخلي عن أي جماعة او مجموعة تمثل مكون ديني او مذهبي او قومي، فكانت النتيجة ان يمر بعدة مراحل وتجارب، مثل تجارب حكومات (المشاركة، والتوافق) وغيرها.
وكانت احدى أساليب استقطاب الجميع، هو الاتفاق على (التوافق) في إدارة البلاد للوصول الى نسبة معينة من الاستقرار، ولكي لا يصبح الجميع بعيدين عن بعضهم، لوجود قناعة راسخة بأن أي ابتعاد لأي طرف يولد مشاكل سياسية وامنية لا يحمد عقباها.
ورغم ان الدستور العراقي لم يحدد في اسطره، توزيع المناصب العليا والرئاسات حسب التلون الديني او الطائفي او القومي، الا انه كانت مسألة توزيع المناصب العليا في البلاد، واحدة من الأركان الرئيسية التي استندت عليها “ثقافة التوافق”، فكانت إدارة البلاد التنفيذية شيعية، والتشريعية سنية، ورئاسة الجمهورية كردية، لتكون ممثلة عن المكونات الرئيسية الدينية والقومية الرئيسية في البلاد.
لكن .. ونحن على اعتاب الانتخابات المقبلة التي من المقرر ان تجري في العاشر من تشرين الأول المقبل، ظهرت مطالبات وتلميحات لانصار رئيس مجلس النواب الشاب محمد الحلبوسي، الذي يبدو ان طموحه لا يقف عند رئاسة مجلس النواب كممثل عن المكون السني، بل تعدى الى المطالبة برئاسة الجمهورية، وان يكون هو الرئيس.
وهذا ما دعا اليه حزب تقدم، الذي يتزعمه الحلبوسي، إلى تغيير خارطة توزيع مناصب الرئاسات الثلاث عن شكلها الحالي ليكون منصب رئيس الجمهورية للمكون السنّي.
وقال النائب عن حزب تقدم، وعضو اللجنة القانونية البرلمانية يحيى المحمدي في تصريح صحفي، إن “الرئاسات الثلاث ليست حكراً لمكون دون مكون آخر او شخص دون آخر”، مبينا ان “الدستور العراقي لم يحدد هوية من يتسنم المنصب وانما ضمن ضوابط وشروط”.
وبين، ان “اختيار الرئاسات عبر التوافقية بعد عام 2003، كانت بالاتفاق بين الكتل السياسية على أن تكون رئاسة الجمهورية للسنة، ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة مجلس النواب للكرد، لكن بعد أول انتخابات في عام 2005، تغير توزيع المناصب، فذهبت رئاسة الجمهورية للكرد ورئاسة البرلمان للسنة، وتولى الشيعة رئاسة الوزراء”.
وأوضح انه “كممثلين للمكون السني نعتقد ان تحديد هدف تولي احد القيادات السنية لرئاسة الجمهورية في الدورة المقبلة حق ومطلب مشروع، وخاصة لما قدمه تحالف تقدم، وهذا هدف مشروع تسعى اليه المكونات، مشيرا الى أن “رئيس مجلس النواب الحالي محمد الحلبوسي، هو الانسب لتولي رئاسة الجمهورية لما يمتلكه من علاقات داخلية وخارجية تؤهله لهذا المنصب وأن يكون واجهة للعراق، وهذا سيعزز العلاقات مع المحيط العربي والدولي”.
وكان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أكد في وقت سابق، أن تولي السنة لمنصب رئاسة الجمهورية “سيجدد” العمل السياسي في العراق، فيما دعا مؤسسات الدولة إلى وضع رؤية لتنفيذ مطالب المتظاهرين.
وقال الحلبوسي، في مقابلة متلفزة، أن “ما ينقص المواطن السني، تمثيله في الدولة العراقية، يحتاج أن يشعر بوجوده بشكل واضح، بالأصل كانت الفكرة أن تكون رئاسة الوزراء للمكون الشيعي، ورئاسة الجمهورية للمكون السني، ورئاسة البرلمان للأكراد، ونعتقد أن الأكراد يمكن أن يكون لهم تمثيل برئاسة مجلس النواب، وللسنة تمثيل برئاسة الجمهورية”.
ولو تناولنا الجنبة القانونية في الموضوع، فلا يوجد أي سند قانوني يحدد ان تكون رئاسة الوزراء للشيعة والجمهورية للكرد والنواب للسنة، وهذا ما أكده رئيس اتحاد الحقوقيين في ديالى حسين الطائي، الذي قال، انه “من الناحية الدستورية ليس هناك توزيع طائفي او قومي لمناصب الرئاسات الثلاث في العراق( الجمهورية- الوزراء- البرلمان) لكنه اعتمد اطار التوافقات السياسية بين القوى والاحزاب اي انه عرف سياسي وليس له اي سند قانوني لان المناصب ليس حكرا عل طائفة او قومية والنظام في العراق برلماني اي الكتلة التي تحصل على اعلى المقاعد بعد الانتخابات هي من تشكل الحكومة وبعدها يجري اختيار رئيس الجمهورية والوزراء لافتا الى ان اعطاء رئاسة الجمهورية لمكون محدد يجري من خلال التوافقات السياسية وليس هناك اي اطار يحدد الهوية الطائفية لمن يتبوء مناصب الرئاسات الثلاث”.
لكن يبدو ان هذه المطالبات ازعجت المكون الكردي، الذي ابدى رفضه لخروج رئاسة الجمهورية من عبائته، كونه يخل بنظام التوافق المعمول به منذ عام 2003 ولحد الان.
وقال النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني جمال شكور، الاثنين، أنه لا يوجد سند قانوني أو دستوري على تقاسم الرئاسات الثلاث بين المكونات.
وقال شكور في حديث تابعته (الاولى نيوز)،إن “إدارة الدولة العراقية تم بنائها على أساس التوافق والتوازن والشراكة والتقسيم الحالي هي الذي تم الاستناد عليه منذ عام 2003، مشيرا الى، أن “الاتحاد الوطني نجح بإدارة رئاسة الجمهورية وتعامل مع المنصب بشكل وطني بعيدا عن الانتماء القومي والحزبي، وأن لدينا فرصة بتولي المنصب مجدداً، وهو استحقاق للكرد وللحزب”.
وأشار إلى أن “هناك أصوات تحاول إثارة الموضوع قوميا عبر تبني موقف أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون عربيا، وهذا الأمر معيب جدا، لآن جميع رؤساء الجمهورية من 2003 حتى الآن تعاملوا بشكل مهني مع مختلف القضايا ولم يفضلوا المصلحة الكردية على باقي القضايا، ونحن مع استمرار المنصب للكرد”.
اما المكون الشيعي، فهو الاخر عبر عن رفضه ، لما وصفه بـ “أحلام الحلبوسي” بتولي رئاسة الجمهورية، لكون الحلبوسي اخفق بإدارة مجلس النواب. حسب تعبير النائب عن محافظة المثنى باسم خشان.
وقال خشان في تصريح تابعته (الاولى نيوز)،ان “العراق بعد 2003، قسمت فيه الرئاسات الثلاثة وفق المكونات وهذا الأمر تم تثبيته وفق الاعراف السياسية والتوافقية”.
وأضاف، ان “الحديث عن اعطاء مكون رئاسة غير الرئاسة التي تم الاتفاق عليها منذ 2003 بعيدا كل البعد عن الواقع السياسي، الذي فرض على العراق بعد احتلاله”.
وبين ان “حديث الحلبوسي، وتلميحه على تسلمه رئاسة الجمهورية خلال المرحلة، مجرد احلام، فهذا الأمر مرفوض سياسياً، معبرا عن قناعته ، ان “الحلبوسي اخفق كثيراً في رئاسة البرلمان ولا يمكن السماح لاخفاقه من جديد برئاسة الجمهورية”.
ووفق ما مر، فانه من المستبعد ان يتخلى الكرد عن رئاسة الجمهورية، او ان يسمح الشيعة بتغيير تمثيل الرئاسات، لما له من تداعيات ربما تدخل البلاد في جدل وأزمة سياسية هو في غنى عنها.