أحداث ومواقف – حرب 1991
رائد عمر
حربٌ بذلك الحجم وبكثافةٍ ناريّة لم تشهدها ايّ من الحروب سابقاً , كان لابدّ للتغطية الإعلامية والتوثيقية ان تغدو ناقصةً في كثيرٍ من التفاصيل الدقيقة والجزئيات , سيّما ما لاتستسيغه وسائل الإعلام الغربية والخليجية او العربية عموماً , وهي لم تكن مستقلة على الإطلاق او منحازة بالكامل للهجمة العالمية على العراقواذ الحديثُ يتعلّق بالجوانب الفنية والعسكرية ولا علاقة له بالسياسة او بنظام الحكم السابق , وحيث صدرت مئات الكتب والبحوث والمقالات النوعية خلال السنين التي اعقبت الحرب , والبعض الكثير منها ذكرت تفاصيلاً هامّة عن مواقفٍ استثنائية ومتميزة للقدرة القتالية العراقية في مواجهة جيوش 33 دولة في البرّ اولاً , فمن المفارقات الكبرى أنّ مثل تلك الكتب لم تصل الى العراق لحدّ الآن قبل وبعد الإحتلال .! , واذا ما كان سبب الحصار على العراق مسوّغاً لعدم كشف وايصال ما تضمنته تلك البحوث والكتب ذات العلاقة بهذا الشأن , فإنّ دَور السفارات العراقية في الخارج وخصوصاً الملحقيات الصحفية , قد كان سلبيّاً على العموم . أمّا في السنوات التي اعقبت الإحتلال , فكان طبيعياً أنّ الحكومات المتعاقبة لم ولا تمتلك ايّ اهتمامٍ بهذا الشأن , ولا سيّما بالمعلومات والتفاصيل التي تكشف البطولة الفائقة للجيش العراقي في تلك الحرب , وإنّ تضادّ هذه الحكومات وعداءها السياسي مع نظام الحكم السابق , فلا يعفيها من مسؤولية حجب مثل تلك المعلومات وسواها ممّا موثّق ومدوّن , عن عموم الشعب العراقي وعن الجامعات ومراكز البحوث . O – اثناء اندلاع الحرب التي ابتدأت بالقصف الجوي المكثّف والذي استمرّ لأسابيع , وحيث لا كهرباء ولا تلفزيون ولا اذاعة في العراق , وعند بدء الحرب البرّية , شاهدتُ شخصياً بثّاً تلفزيونياً مباشراً عبر الأقمار الصناعية ” خارج العراق ” وعرضته معظم الفضائيات آنذاك , وهنا كي اضع القرّاء في الصورةِ اولاً , فأشير الى أنّ المنطقة التي جرى عرضها في ذلك البث : – كانت آخر نقطة تماس على الحدود الكويتية – السعودية للجيش العراقي عبر خندقٍ دفاعي عسكري طويل يمتد على مسافة طويلةٍ من تلك المنطقة , وممنوعٌ على الجنود العراقيين المتخندقين هناك ترك مواقعهم نحو الأمام ! وفق حساباتٍ وتقاليدٍ عسكريةٍ بحتة .. بدأَ عرض البثّ في لحظة اقتراب الفرقة المدرعة البريطانية بأتجاه اليش العراقي , لكنّ المفاجأة الأولى أنّ عشرات المئات من الجنود العراقيين تركوا مواقعهم وخرجوا من الخندق بمبادرةٍ ذاتيةٍ – جمعيّة , حاملين صواريخ قاذفات RBG- 7 بأتجاه الدبابات البريطانية ودون اوامر من اية جهة عسكرية عراقية , حيث الأساليب والنظم الدفاعية العراقية ” وسواها ” لا تتيح لجنود المشاة لمواجهة فرقة مدرّعة تتّجه نحوهم .! , المفاجأة التي اعقبتها بعد دقائقٍ قليلةٍ ” وفق الفلم المصوّر والموثّق بالبثّ المباشر آنذاك ” : أن انطلقت اعداد من ناقلات الجنود المجنزرة العراقية ” المسلحة بالصواريخ والرشاشات المتوسطة , وهي تتقدّم بأتجاه دبابات الفرقة المدرعة البريطانية وبسرعة ٍ فائقة , ما تلا بعد ذلك أنّ الجهة التي تولّت ادارة تصوير المعركة في تلك اللحظات , فقد تصرّفت بذكاءٍ ومهنيّة فائقة , حيثُ توجّهتْ ” عدساتها ! ” نحو الدبابات البريطانية المهاجمة وهي تستدير بأتجاه الأنسحاب السريع .! << وفي دواعي الحقيقة , فلم يكن ذلك الأنسحاب التكتيكي كتصرّفٍ جبان من الأنكليز بنسبة 100 % 100 , لكنّ العقيدة العسكرية البريطانية تتحسّب لحياة الفرد او الجندي لأكثر من حساب , بالرغم من تضادّ ذلك مع مفاهيم الشجاعة والمقدرة في المعارك >> , أمّا المفاجأة الثالثة والأخيرة في ذلك البث التلفزيوني المباشر , فلم تمضِ سوى دقائقٍ محدودةٍ حتى جرى عرض عددٍ من ” السمتيات ” او المروحيات العراقية تنطلق فوراً لتأمين الدفاع عن المجنزرات العراقية ولمهاجمة القوة البريطانية المنسحبة , وبالصواريخ والرشاشات المنصوبة في هذه المروحيات , لكنّ ما هو اكثرَ من مفاجئٍ في تلك المفاجأة , هو أنّ هذه الهيليكوبترات العراقية قد دخلت واقتحمت اجواء المعركة بعدَ نحوِ شهرٍ ونصف من القصف الجويّ المجنون على العراق , وهنا تبرز كفاءة القيادة العكرية العراقية بهذا الشأن وغيره .! O – داخل الكويت وحولها كانَ هنالك 1,2 مليون جندي عراقي , وكانت 5,800 دبابة عراقية وبرفقتها 5,100 مدرعة , بالإضافةِ الى 3,850 قطعة مدفعيّة , وضمن مساحة الكويت او بالأحرى حجم مسرح العمليات الدفاعي المحدود المساحة , وما يقابل ذلك من الجيوش المنتشرة أمام قاطع العمليات , فيمكن القول مجازاً وربما غير مجازٍ ايضا .! , أن كيفما كانت مدافع الدبابات او كتائب المدفعية وفضلاً عن الصواريخ التكتيكية العراقية تنطلق دونما تسديدٍ دقيق , فلابدّ أن تسقط على جنود قوات التحالف واسلحتهم الثقيلة المنتشرة بكثافةٍ أمامَ مساحةٍ محدودة , لكنّ مفاجأةً اخرى ساخرة او مثيرةً للسخرية والقهقهة , فإنّ الفريق الركن – السعودي خالد بن سلطان ” قائد القوات العربية , وهو مساعد شوارتسكوف شكلياً ” قد ذكرَ في كتابه < مقاتل من الصحراء > أنّ خسائر قوات التحالف كانت 13 شهيد ! فقط , ولا نعلّق هنا على هذا الإنحطاط في الكتابة او التأليف , والفكر ايضاً .!ما يؤسفنا أن نختزل عبر هذه الأسطر ما لا تتسعه مؤلفات وجلدات , وحتى اكثر من ويكيبيديا في تلك الحرب على الجيش العراقي .